تعليم المتعلم
مقدمة
الحمد لله الذى فضل على بنى آدم بالعلم والعمل على جميع العالم، والصلاة والسلام على محمد سيد العرب والعجم، وعلى آله وأصحابه ينابيع العلوم والحكم. وبعد ، فلما رأيت كثيرا من طلاب العلم فى زماننا يجدون إلى العلم ولايصلون (ومن منافعه وثمراته ـ وهى العمل به والنشر ـ يحرمون) لما أنهم أخطأوا طريقه وتركوا شرائطه، وكل من أخطأ الطريق ضل، ولاينال المقصود قل أو جل، فأردت وأحببت أن أبين لهم طريق التعلم على ما رأيت فى الكتب وسمعت من أساتيذى أولى العلم والحكم، رجاء الدعاء لى من الراغبين فيه، المخلصين، بالفوز والخلاص فى يوم الدين، بعد ما استخرت الله تعالى فيه، وسميته: تعليم المتعلم طريق التعلم
وجعلته فصولا
فصل في ماهية العلم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة اعلم، بأنه لايفترض على كل مسلم، طلب كل علم وإنما يفترض عليه طلب علم الحال كما قال: وأفضل العلم علم الحال، وأفضل العمل حفظ الحال ويفترض على المسلم طلب ما يقع له فى حاله، فى أى حال كان، فإنه لابد له من الصلاة فيفترض عليه علم ما يقع له فى صلاته بقدر ما يؤدى به فرض الصلاة، ويجب عليه بقدر ما يؤدى به الواجب، لأن ما يتوسل به إلى إقامة الفرض يكون فرضا، وما يتوسل به إلى إقامة الواجب يكون واجبا. وكذا فى الصوم، والزكاة، إن كان له مال، والحج إن وجب عليه. وكذا فى البيوع إن كان يتجر. قيل لمحمد بن الحسن، رحمة الله عليه: لما لاتصنف كتابا فى الزهد؟ قال: قد صنفت كتابا فى البيوع، يعنى: الزاهد من يحترز عن الشبهات والمكروهات فى التجارات. وكذلك فى سائر المعاملات والحرف، وكل من اشتغل بشيئ منها يفترض عليه علم التحرز عن الحرام فيه. وكذلك يفترض عليه علم أحوال القلب من التوكل والإنابة والخشية والرضى، فإنه واقع فى جميع الأحوال. وشرف العلم لايخفى على أحد إذ هو المختص بالإنسانية لأن جميع الخصال سوى العلم، يشترك فيها الإنسان وسائر الحيوانات: كالشجاعة والجراءة والقوة والجود والشفقة وغيرها سوى العلم. وبه أظهر الله تعالى فضل آدم عليه السلام على الملائكة، وأمرهم بالسجود له. وإنما شرف العلم بكونه وسيلة الى البر والتقوى، الذى يستحق بها المرء الكرامة عند الله، والسعادة والأبدية، كما قيل لمحمد بن الحسن رحمة الله عليهما شعرا: تعـلـم فــإن الـعلـم زيـن لأهــلــه وفــضـل وعــنـوان لـكـل مـــحامـد وكــن مـستـفـيدا كـل يـوم زيـادة من العـلم واسـبح فى بحـور الفوائـد تـفـقـه فإن الـفــقـه أفــضـل قائـد الى الــبر والتـقـوى وأعـدل قـاصـد هو العلم الهادى الى سنن الهدى هو الحصن ينجى من جميع الشدائد فـإن فـقيــهـا واحــدا مــتـورعــا أشـد عـلى الشـيطـان من ألـف عابد (والعلم وسيلة إلى معرفة: الكبر، والتواضع، والألفة، والعفة، والأسراف، والتقتير، وغيرها)، وكذلك فى سائر الأخلاق نحو الجود، والبخل، والجبن، والجراءة. فإن الكبر، والبخل، والجبن، والإسراف حرام، ولايمكن التحرز عنها إلا بعلمها، وعلم ما يضادها، فيفترض على كل إنسان علمها. وقد صنف السيد الإمام الأجل الأستاذ الشهيد ناصر الدين أبو القاسم كتابا فى الأخلاق ونعم ما صنف، فيجب على كل مسلم حفظها. وأما حفظ ما يقع فى الأحايين ففرض على سبيل الكفاية، إذا قام البعض فى بلدة سقط عن الباقين، فإن لم يكن فى البلدة من يقوم به اشتركوا جميعا فى المأثم، فيجب على الإمام أن يأمرهم بذلك، ويجبر أهل البلدة على ذلك. قيل: إن العلم ما يقع على نفسه فى جميع الأحوال بمنزلة الطعام لابد لكل واحد من ذلك. وعلم ما يقع فى الأحايين بمنزلة الدواء يحتاج إليه (فى بعض الأوقات). وعلم النجوم بمنزلة المرض، فتعلمه حرام، لأنه يضر ولاينفع، والهرب عن قضاء الله تعالى وقدره غير ممكن. فينبغى لكل مسلم أن يشتغل فى جميع أوقاته بذكر الله تعالى والدعاء، والتضرع، وقراءة القرآن، والصدقات (الدافعة للبلاء) (والصلاة) ، ويسأل الله تعالى العفو والعافية فى الدين والآخرة ليصون الله عنه تعالى البلاء والآفات، فإن من رزق الدعاء لم يحرم الإجابة. فإن كان البلاء مقدرا يصيبه لامحالة، ولكن يبر الله عليه ويرزقه الصبر ببركة الدعاء. اللهم إذا تعلم من النجوم قدرما يعرف به القبلة، وأوقات الصلاة فيجوز ذلك وأما تعلم علم الطب فيجوز، لأنه سبب من الأسباب فيجوز تعلمه كسائر الأسباب. وقد تداوى النبى عليه السلام، وقد حكى عن الشافعى رحمة الله عليه أنه قال: العلم علمان: علم الفقه للأديان، وعلم الطب للأبدان، وما وراء ذلك بلغة مجلس. وأما تفسير العلم: فهو صفة يتجلى بها المذكور لمن قامت هى به كما هو. والفقه: معرفة دقائق العلم مع نوع علاج. قال أبو حنيفة رحمة الله عليه: الفقه معرفة النفس ما لها وما عليها. وقال: ما العلم إلا للعمل به، والعمل به ترك العاجل الآجل. فينبغى للإنسان أن لايغفل عن نفسه، ما ينفعها وما يضرها، فى أولها وآخرها، ويستجلب ما ينفعها ويجتنب عما يضرها، كى لايكون عقله وعمله حجة فيزداد عقوبة، نعوذ بالله من سخطه وعقوبه. وقد ورد فى مناقب العلم وفضائله، آيات وأخبار صحيحة مشهورة لم نشتغل بذكرها كى لايطول الكتاب. اهـ
فصل فى النية فى حال التعلم
ثم لابد له من النية فى زمان تعلم العلم، إذ النية هى الأصل فى جميع الأفعال لقوله عليه السلام: إنما الأعمال بالنيات. حديث صحيح. (روى) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم من عمل يتصور بصورة عمل الدنيا، ثم يصير بحسن النية من أعمال الآخرة، وكم من عمل يتصور بصورة عمل الآخرة ثم يصير من أعمال الدنيا بسوء النية. وينبغى أن ينوى المتعلم بطلب العلم رضاء الله والدار الآخرة، وإزالة الجهل عن نفسه، وعن سائر الجهال، وإحياء الدين وإبقاء الإسلام، فإن بقاء الإسلام بالعلم، ولايصح الزهد والتقوى مع الجهل. وأنشدنا الشيخ الإمام الأجل الأستاذ برهان الدين صاحب الهداية لبعضهم شعرا: فـساد كـبير عـالم مـتهتـك وأكـبر منه جاهل متنسك هما فتنة للعالمين عظيمة لمن بهما فى دينه يتمسك وينوى به: الشكر على نعمة العقل، وصحة البدن، ولا ينوى به إقبال الناس عليه، ولا استجلاب حطام الدنيا، والكرامة عند السلطان وغيره. وقال محمد بن الحسن رحمة الله عليهما: لو كان الناس كلهم عبيدى لأعتقتهم وتبرأت عن ولائهم. (وذلك لأن) من وجد لذة العلم والعمل به، قلما يرغب فيما عند الناس. أنشدنا الشيخ الإمام الأجل الأستاذ قوام الدين حماد بن إبراهيم بن إسماعيل الصفار الأنصارى إملاء لأبى حنيفة رحمة الله عليه: من طلب العلم للمعاد فاز بفضل من الرشاد فـيالخسـران طالـبيـه لـنيل فـضل من العباد اللهم إلا إّذا طلب الجاه للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وتنفيذ الحق، وإعزاز الدين لا لنفسه وهواه، فيجوز ذلك بقدر ما يقيم به الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. وينبغى لطالب العلم: أن يتفكر فى ذلك، فإنه يتعلم العلم بجهد كثير، فلايصرفه إلى الدنيا الحقيرة القليلة الفانية. (قال النبى صلى الله عليه وسلم: اتقوا الدنيا، فوالذى نفس محمد بيده إنها لأسحر من هاروت وماروت). شعر: هى الـدنيا أقـل مـن الـقـليل وعاشقها أذل من الذليل تصم بسحرها قوما وتعمى فـهم مـتخيرون بلا دليل وينبغى لأهل العلم أن لايذل نفسه بالطمع فى غير المطمع ويحترز عما فيه مذلة العلم وأهله. ويكون متواضعا، والتواضع بين التكبر والذلة، والعفة كذلك، ويعرف ذلك فى كتاب الأخلاق. أنشدنى الشيخ الإمام الأستاذ ركن الدين المعروف بالأديب المختار شعرا لنفسه: إن الـتواضـع مـن خـصـال المـتقى وبه التقى إلى المـعالى يرتقى ومن العجائب عجب من هو جاهل فى حالة أهو السعيد أم الشقى أم كـيـف يخــتم عـمـره أو روحــه يوم الـنوى مـتسفل أو مرتقى والـكـــبـريـاء لـربـنـا صــفـة لــــه مـخـصـوصة فتجـنبها واتقى قال أبو حنيفة رحمة الله عليه لأصحابه: عظموا عمائمكم ووسعوا أكمامكم. وإنما قال ذلك لئلا يستخف بالعلم وأهله. وينبغى لطالب العلم أن يحصل كتاب الوصية التى كتبها أبو حنيفة رضى الله عليه ليوسف بن خالد السمتى عند الرجوع إلى أهله، يجده من يطلب العلم وقد كان أستاذنا شيخ الإسلام برهان الدين على بن أبو بكر قدس الله روحه العزيز أمرنى بكتابته عند الرجوع إلى بلدى فكتبته، ولابد للمدرس والمفتى فى معاملات الناس منه، وبالله التوفيق
فصل فى اختيار العلم والأستاذ والشريك والثبات
وينبغى لطالب العلم أن يختار من كل علم أحسنه وما يحتاج إليه فى أمر دينه فى الحال، ثم ما يحتاج إليه فى المآل. ويقدم علم التوحيد والمعرفة ويعرف الله تعالى بالدليل، فإن إيمان المقلد ـ وإن كان صحيحا عندنا ـ لكن يكون آثما بترك الإستدلال. ويختار العتيق دون المحدثات، قالوا: عليكم بالعتيق وإياكم بالمحدثات، وإياك أن تشتغل بهذا الجدال الذى ظهر بعد انقراض الأكابر من العلماء، فإنه يبعد عن الفقه ويضيع العمر ويورث الوحشة والعداوة، وهو من أشراط الساعة وارتفاع العلم والفقه،كذا ورد فى الحديث. أما اختيار الأستاذ: فينبغى أن يختار الأعلم والأورع والأسن، كما اختار أبو حنيفة، رحمة الله عليه، حماد بن سليمان، بعد التأمل والتفكير، قال: وجدته شيخا وقورا حليما صبورا فى الأمور. وقال: ثبت عند حماد بن سليمان فنبت وقال أبو حنيفة رحمة الله عليه: سمعت حكيما من حكماء سمرقند قال: إن واحدا من طلبة العلم شاورنى فى طلب العلم، وكان قد عزم على الذهاب إلى بخارى لطلب العلم. وهكذا ينبغى أن يشاور فى كل أمر، فإن الله تعالى أمر رسوله عليه الصلاة والسلام بالمشاورة فى الأمور ولم يكن أحد أفطن منه، ومع ذلك أمر بالمشاورة، وكان يشاور أصحابه فى جميع الأمور حتى حوائج البيت. قال على كرم الله وجهه: ما هلك امرؤ عن مشورة. قيل: (الناس) رجل (تام) ونصف رجل، ولا شيئ فالرجل: من له رأي صائب ويشاور العقلاء، ونصف رجل: من له رأي صائب لكن لا يشاور، أو يشاور ولكن لا رأي له، ولا شيئ: من لا رأي له ولا يشاور. وقال جعفر الصادق لسفيان الثورى: شاور فى أمرك الذين يخشون الله تعالى. فطلب العلم من أعلى الأمور وأصعبها، فكانت المشاورة فيه أهم وأوجب. قال الحكيم رحمة الله عليه: إذا ذهبت إلى بخارى فلا تعجل فى الإختلاف إلى الأئمة وامكث شهرين حتى تتأمل وتختار أستاذا، فإنك إن ذهبت إلى عالم وبدأت بالسبق عنده فربما لا يعجبك درسه فتتركه فتذهب إلى آخر، فلا يبارك لك فى التعلم. فتأمل فى شهرين فى اختيار الأستاذ، وشاور حتى لا تحتاج إلى تركه والاعراض عنه فتثبت عنده حتى يكون تعلمك مباركا وتنتفع بعلمك كثيرا. واعلم أن الصبر والثبات أصل كبير فى جميع الأمور ولكنه عزيز، كما قيل: لكل إلى شأو العلا حركات ولكن عزيز فى الرجال ثبات قيل: ما الشجاعة ؟ (قيل): الشجاعة صبر ساعة. فينبغى أن يثبت ويصير على أستاذ وعلى كتاب حتى لا يتركه أبتر، وعلى فن حتى لا يشتغل بفن آخر قبل أن يتقن الأول، وعلى بلد حتى لا ينتقل إلى بلد آخر من غير ضرورة، فإن ذلك كله يفرق الأمور ويشغل القلوب ويضيع الأوقات ويؤذى المعلم. وينبغى أن يصبر عما تريده نفسه وهواه. قال الشاعر: إن الهوى لهو الهوان بعينه وصريع كل هوى صريع هوان ويصير على المحن والبليات. قيل: خزائن المنن، على قناطير المحن. ولقد أنشدت، وقيل إنه لعلى بن أبى طالب كرم الله وجهه شعرا: ألا لـن تنــال الــعـلم إلا بســتة سأنبيك عن مجموعها ببيان ذكاء وحرص واصطباروبلغة وإرشاد أستاذ وطـول زمان وأما اختيار الشريك، فينبغى أن يختار المجد والوراع وصاحب الطبع المستقيم المتفهم، ويفر من الكسلان والمعطل والمكثار والمفسد والفتان. قال الشاعر: عن المرء لا تسل وأبصر قرينه فـإن الـقرين بالمـقارن يقــتـدى فـإن كـان ذا شر فــجـنبه سرعـة وإن كان ذا خير فقارنه تهـتدى وأنشدت شعرا آخر: لا تصحـب الكسلان فى حـالته كـم صـالــح بفـسـاد آخــر يفسـد عدوى البليد إلى الجليد سريعة كالجمر يوضع فى الرماد فيخمد قال النبى صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على فطرة الإسلام، إلا أن أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه. الحديث. ويقال فى الحكمة بالفارسية: باربد بدتـر بود ازمـاربد بحـق ذات بـاك الله الصـمـد باربد ازدترا سوى حجيم بار نـيكــوكــير نابـى نعــيم وقيل: إن كنت تبغى العلم وأهله أو شـاهدا يخـبـر عن غائب فاعتبر الأرض بأسـمائها واعتبر الصاحب بالصاحب
فصل فى تعظيم العلم وأهله
اعلم أن طالب العلم لا ينال العلم ولا ينتفع به إلا بتعظيم العلم وأهله، وتعظيم الأستاذ وتوقيره. قيل: ما وصل من وصل إلا بالحرمة، وما سقط من سقط إلا بترك الحرمة. وقيل: الحرمة خير من الطاعة، ألا ترى أن الإنسان لا يكفر بالمعصية، وإنما يكفر باستخفافها، وبترك الحرمة. ومن تعظيم العلم تعظيم الأستاذ، قال على رضى الله عنه: أنا عبد من علمنى حرفا واحدا، إن شاء باع، وإن شاء استرق. وقد أنشدت فى ذلك: رأيت أحق الحق حق المعلم وأوجـبه حفظا على كل مسلم لقد حق أن يهدى إليه كرامة لتعليم حرف واحد ألف درهم فإن من علمك حرفا واحدا مما تحتاج إليه فى الدين فهو أبوك فى الدين. وكان أستاذنا الشيخ الإمام سديد الدين الشيرازى يقول: قال مشايخنا: من أراد أن يكون ابنه عالما ينبغى أن يراعى الغرباء من الفقهاء، ويكرمهم ويطعمهم ويطيعهم شيئا، وإن لم يكن ابنه عالما يكون حفيده عالما. ومن توقير المعلم أن لايمشى أمامه، ولا يجلس مكانه، ولا يبتدئ بالكلام عنده إلا بإذنه، ولا يكثر الكلام عنده، ولا يسأل شيئا عند ملالته ويراعى الوقت، ولا يدق الباب بل يصبر حتى يخرج الأستاذ. فالحاصل: أنه يطلب رضاه، ويجتنب سخطه، ويمتثل أمره فى غير معصية لله تعالى، فإنه لا طاعة للمخلوق فى معصية الخالق كما قال النبى صلى الله عليه وسلم: إن شر الناس من يذهب دينه لدنيا بمعصية الخالق. ومن توقيره: توقير أولاده ومن يتعلق به. وكان أستاذنا شيخ الإسلام برهان الدين صاحب الهداية رحمة الله عليه حكى: أن واحدا من أكابر الأئمة بخارى كان يجلس مجلس الدرس، وكان يقوم فى خلال الدرس أحيانا فسألوا عنه، فقال: إن ابن أستاذى يلعب مع الصبيان فى السكة، ويجيئ أحيانا إلى باب المسجد، فإذا رأيته أقوم له تعظيما لأستاذى. والقاضى الإمام فخر الدين الأرسابندى كان رئيس الأئمة فى مرو وكان السلطان يحترمه غاية الاحترام وكان يقول: إنما وجدت بهذا المنصب بخدمة الأستاذ فإنى كنت أخدم الأستاذ القاضى الإمام أبا زيد الدبوسى وكنت أخدمه وأطبخ طعامه (ثلاثين سنة) ولا آكل منه شيئا. وكان الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة الحلوانى رحمة الله عليه قد خرج من بخارى وسكن فى بعض القرى أياما لحادثة وقعت له وقد زاره تلاميذه غير الشيخ الإمام شمس الأئمة القاضى بكر بن محمد الزرنجرى رحمه الله تعالى، فقال له حين لقيه: لماذا لم تزرنى؟ قال: كنت مشغولا بخدمة الولادة. قال: ترزق العمر، لاترزق رونق الدرس، وكان كذلك، فإنه كان يسكن فى أكثر أوقاته فى القرى ولم ينتظم له الدرس. فمن تأذى منه أستاذه يحرم بركة العلم ولا ينتفع بالعلم إلا قليلا. (إن الـمـعلم والطـبيب كـلاهـما( لا ينصحـان إذا هـما لم يكــرما) (فاصبر لدائك إن جفوت طبيبه( واقنع بجهلك إن جفوت معلما) حكى أن الخليفة هارون راشيد بعث ابنه إلى الأصمعى ليعلمه العلم والأدب فرآه يوما يتوضأ ويغسل رجله، وابن الخليفة يصب الماء على رجله، فعاتب الأصمعى (فى ذلك) بقوله: إنما بعثت إليك لتعلمه وتؤدبه فلماذا لم تأمره بأن يصب الماء بإحدى يديه، ويغسل بالأخرى رجلك؟ ومن تعظيم العلم: تعظيم الكتاب، فينبغى لطالب العلم أن لا يأخذ الكتاب إلا بطهارة. وحكى عن الشيخ شمس الأئمة الحلوانى رحمه الله تعالى أنه قال: إنما نلت هذا العلم بالتعظيم، فإنى ما أخذت الكاغد إلا بطهارة. والشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسى كان مبطونا فى ليلة، وكان يكرر، وتوضأ فى تلك الليلة سبع عشرة مرة لأنه كان لا يكرر إلا بالطهارة، وهذا لأن العلم نور والوضوء نور فيزداد نور العلم به. ومن التعظيم الواجب للعالم أن لا يمد الرجل إلى الكتاب ويضع كتاب التفسير فوق سائر الكتب (تعظيما) ولا يضع شيئا آخر على الكتاب. وكان أستاذنا الشيخ برهان الدين رحمه الله تعالى يحكى عن شيخ من المشايخ: أن فقيها كان وضع المحبرة على الكتاب، فقال له (بالفارسية): برنيايى. وكان أستاذنا القاضى الإمام الأجل فخر الدين المعروف بقاضى خان رحمه الله تعالى يقول: إن يرد بذلك الاستخفاف فلا بأس بذلك والأولى أن يحترز عنه. ومن التعظيم: أن يجود كتابة الكتاب ولا يقرمط ويترك الحاشية إى عند الضرورة. ورأى أبو حنيفة رحمه الله تعالى كتابا يقرمط فى الكتابة فقال: لا تقرمط خطك، إن عشت تندم وإن مت تشتم. يعنى إذا شخت وضعف نور بصرك ندمت على ذلك. وحكى عن الشيخ الإمام مجد الدين الصرخكى، حكى أنه قال: ما قرمطنا ندمنا، وما انتخبنا ندمنا، وما لم نقابل ندمنا. وينبغى أن يكون تقطيع الكتاب مربعا، فإنه تقطيع أبى حنيفة رحمه الله تعالى، وهو أيسر على الرفع والوضع والمطالعة. وينبغى أن لا يكون فى الكتابة شيئ من الحمرة، فإنه من صنيع الفلاسفة لا صنيع السلف، ومن مشايخنا كرهوا استعمال المركب الأحمر. ومن تعظيم العلم: تعظيم الشركاء (فى طلب العلم والدرس) ومن يتعلم منه. والتملق مذموم إلا فى طلب العلم. فإنه ينبغى أن يتملق لأستاذه وشركائه ليستفيد منهم. وينبغى لطالب العلم أن يستمع العلم والحكمة بالتعظيم والحرمة، وإن سمع مسألة واحدة أو حكمة واحدة ألف مرة. وقيل: من لم يكن تعظيمه بعد ألف مرة كتعظيمه فى أول مرة فليس بأهل العلم. وينبغى لطالب العلم أن لا يختار نوع العلم بنفسه، بل يفوض أمره إلى الأستاذ، فإن الأستاذ قد حصل له التجارب فى ذلك، فكان أعرف بما ينبغى لكل واحد وما يليق بطبيعته. وكان الشيخ الإمام الأجل الأستاذ برهان الحق والدين رحمه الله تعالى يقول: كان طلبة العلم فى الزمان الأول يفوضون أمرهم فى التعلم إلى اساتذهم، وكانوا يصلون إلى مقصودهم ومرادهم، والآن يختارون بأنفسهم، فلا يحصل مقصودهم من العلم والفقه. وكان يحكى أن محمد بن إسماعيل البخارى رحمه الله تعالى كان بدأ بكتابة الصلاة على محمد بن الحسن رحمه الله، فقال له محمد بن الحسن: إذهب وتعلم علم الحديث، لما روى أن ذلك العلم أليق بطبعه، فطلب علم الحديث فصار فيه مقدما على جميع أئمة الحديث. وينبغى لطالب العلم أن لايجلس قريبا من الأستاذ عند السبق بغير ضرورة، بل ينبغى أن يكون بينه وبين الأستاذ قدر القوس فإنه أقرب إلى التعظيم. وينبغى لطالب العلم أن يحترز عن الأخلاق الذميمة، فإنها كلاب معنوية، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة. وإنما يتعلم الإنسان بواسطة ملك. والأخلاق الذميمة تعرف فى كتاب الأخلاق وكتابنا هذا لا يحتمل بيانها. (وليحترز) خصوصا عن التكبر ومع التكبر لا يحصل العلم. قيل: العلم حرب (للفتى) المتعالى كالسيل حرب للمكان العالى
فصل فى الجد والمواظبة والهمة
ثم لا بد من الجد والمواظبة والملازمة لطالب العلم، وإليه الإشارة فى القرآن بقوله تعالى: يا يحيى خذ الكتاب بقوة. وقوله تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا. قيل: بجـد لا بجــد كــل مـجــد فهل جد بلا جد بمجدى فكم من عبد يقوم مقام حر وكم حر يقوم مقام عبد وقيل: من طلب شيئا وجد وجد، ومن قرع الباب ولج ولج. وقيل: بقدرما تتعنى تنال ما تتمنى. وقيل: يحتاج فى التعلم والتفقه إلى جد ثلاثة: المتعلم، والأستاذ، والأب، إن كان فى الأحياء. أنشدنى الشيخ الإمام الأجل الأستاذ سديد الدين الشيرازى للشافعى رحمهما الله: الجـــد يــدنـى كــل أمـر شـاسـع والـجــد يفــتـح كــل باب مــغـلـق وأحق خلق الله تعالى بالهم امرؤ ذو هــمـة يــبلـى بـعــيـش ضـيـق ومن الدليل على القضاء وحكمه بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق لكن من رزق الحجا حرم الغنى ضـدان يــفـــتـرقــان أى تــفــرق وأنشدت لغيره: تمـنيت أن تمسى فـقيها مناظـرا بغـير عناء والجـنون فنون وليس اكتساب المال دون مشقة تحملها فالعلم كـيف يكون؟ قال أبو الطيب المتنبى: ولم أرى فـى عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام ولا بد لطالب العلم من سهر الليالى كما قال الشاعر: بقـدر الـكــد تكــتـسـب المـعالى ومـن طـلـب الـعـلى سـهـر اللـيالى تــروم الــــعــز ثـم تنــام لــــيلا يغوص فى البحر مـن طلب اللآلى علـو الـكــعـب بالهـمـم الـعـوالى وعـن الـــمـرء فـى ســهـر اللـيالى تركــت الــنوم ربى فى اللــيالى لأجــل رضـاك يامــولـى الـمـوالى ومــن رام الــعـلى مـن غـير كد أضاع الـعـمـر فى طـلب المـحــال فــوفـقـنى إلـى تحــصــيل عـلـم وبلـغــنـى إلـى أقــصـى الـمـعــالى قيل: اتخذ الليل جملا تدرك به أملا. قال المصنف وقد اتفق لى نظم فى هذا المعنى شعر: مـن شاء أن يحـتوى آماله جـملا فلـيتـخـذ لــيله فـى دركــها جــمـلا إقلل طعامك كى تحظى به سهرا إن شئت يا صاحبى أن تبلغ الكملا وقيل: من أسهر نفسه بالليل، فقد فرح قلبه بالنهار. ولا بد لطالب العلم من المواظبة على الدرس والتكرار فى أول الليل وآخره، فإن ما بين العشائين، ووقت السحر، وقت مبارك. قيل فى هذا المعنى: يا طالب العـلم باشـر الورعا وجـانب الـنوم واترك الشبعـا وداوم على الدرس لا تفارقه فإن العلم بالدرس قام وارتفعا فيغتنم أيام الحداثة وعنفوان الشباب، كما قيل: بقـدر الـكــد تعــطى ما تروم فـمــن رام المـنى لــيلا يقـوم وأيام الـحــداثـة فـاغـتـنـمـهـا ألا إن الــحــــــداثــة لاتــدوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، ولا تبغض نفسك فى عبادة الله تعالى فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى. وقال عليه السلام: نفسك مطيتك فارفق بها. فلا بد لطالب العلم من الهمة العالية فى العمل، فإن المرء يطير بهمته كالطير يطير بجناحيه. وقال أبو الطيب رحمه الله: على قدر أهل العزم تأتى العـزائم وتأتى على قـدر الكـرام المكارم وتعظم فى عين الصغير صغارها وتصغر فى عين العظيم العظائم والركن فى تحصيل الأشياء الجد والهمة العالية، فمن كانت همته حفظ جميع كتب محمد بن الحسن، واقترن بذلك الجد والمواظبة، فالظاهر أنه يحفظ أكثرها أو نصفها، فأما إذا كانت له همة عالية ولم يكن له جد، أو كان له جد ولم تكن له همة عالية لا يحصل له العلم إلا قليلا. وذكر الشيخ الامام الأجل الأستاذ رضى الدين النيسابورى فى كتاب مكارم الأخلاق أن ذا القرنين لما أراد أن يسافر ليستولى على المشرق والمغرب، شاور الحكماء وقال: كيف أسافر بهذا القدر من الملك، فإن الدنيا قليلة فانية، وملك الدنيا أمر حقير، فليس هذا من علو الهمة. فقال الحكماء: سافر ليحصل لك ملك الدين والآخرة. فقال: هذا أحسن. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب معالى الأمور ويكره سفسافها. وقيل: فلا تعجل بأمرك واستدمه فما صلى عصاك كمستديم قيل: قال أبو حنيفة رضى الله لأبى يوسف: كنت بليدا أخرجتك المواظبة، وإياك والكسل فإنه شؤم وآفة عظيمة. قال الشيخ الإمام أبو نصر الصفار الأنصارى: يا نفس يا نفس لا ترخى عن العمل فى البر والعدل والإحسان فى مهل فـكـل ذى عـمـل فى الخـير مـغـتبط وفـى بـلاء وشــؤم كــل ذى كــسـل قال المصنف: وقد اتفق لى فى هذا المعنى شعر: دعى نـفـسى الـتكــاسـل والـتـوانـى وإلا فـاثـــبــتـى فـى ذا الـــهـــوان فلم أر للـكــسـالـى اـلحـظ ( يعطى) ســوى نــدم وحــــرمــان الأمــانـى وقيل: كـم مـن حـياء وكم عـجـز وكـم نـدم جــم تــولـــد للإنـسـان مــن كـــسـل ( إياك عن كسل فى البحث عن شبه فـمــا علـمـت وما قـد شذ عنك سل) وقد قيل: الكسل من قلة التأمل فى مناقب العلم وفضائله، فينبغى أن يتعب نفسه على التحصيل والجد والمواظبة بالتأمل فى فضائل العلم، فإن العلم يبقى (ببقاء المعلومات) والمال يفنى، كما قال أمير المؤمنين على بن أبى طالب كرم الله وجهه: رضـينا قسمة الجـبار فينا لـنا علم وللأعـداء مال فإن المال يفنى عن قريب وإن العلم يبقى لا يزال والعلم النافع يحصل به حسن الذكر ويبقى ذلك بعد وفاته فغنه حياة أبدية. وأنشدنا الشيخ الإمام الأجل ظهير الدين مفتى الأئمة الحسن بن على المعروف بالمرغينانى: الجـــاهـلـون مـوتـى قـبل مـوتـهــم والعـالمـون وإن ماتوا فأحياء وأنشدنى الشيخ الإمام الأجل برهان الدين رحمه الله: وفى الجهل قبل الموت موت لأهله فـأجــسامهـم قبل القبور قبور وإن امــرؤ لم يحـــيى بالعلم مــيت فـليس له حــين النشور نشور (وقال غيره): أخـو الـعـلم حـي خــالـد بـعـد مــــــوتـه وأوصـاله تحـت التراب رمـيم وذو الجهل ميت وهو يمشى على الثرى يظهر مـــن الأحياء وهوعديم وقال آخر: حـياة الـقـلب عـلـم فاغـتـنمـه ومـوت القلب جهـل فاجتنبه وأنشدنى أستاذنا شيخ الإسلام برهان الدين رحمة الله عليه شعرا: ذا العلم أعلى رتبة فى المــــــــراتب ومن دونه عز العلى فـى المواكــب فذو العلم يبقــى عزه متضــاعفـــــــا وذو الجهل بعد الموت فـى الترائب فـهــيات لا يرجــو مـداه مـن ارتـقى رقى ولى الملك والـى الكــــــــتائب سأملى عليكــم بعض ما فيه فاسمعوا فبى حصر عن ذكر كـل المــــناقب هو النور كل النور يهدى عن العمى وذو الجهل مر الدهر بين الغــياهب؛ هو الـذروة الشماء تحمى مـــن التجا إليها ويمشى آمـــــنا فـى الـــنـوائب به ينتجــــى والناس فى غفلاتـــــهـم به يرتجـــــى والـروح بين الترائب به يشفع الإنسان مــن راح عاصـــيا إلى درك النيران شـر العـــــــواقب فمن رامه رام المآرب كلــــــــــــــها ومـــــن حازه قد حاز كـل المطالب هو المنصب العالى يا صاحب الحجا إذا نلته هون بفــــــــوت المـناصب فإن فاتك الدنيا وطيب نعيمـــــــــــها ( فغمض) فإن العلم خير المواهب وقيل فى هذا المعنى: إذا مـــــــا اعتز ذو علم بعــــــــــلم فعلم الفقــــــــه أولـــــــــى باعتزاز فكـــــــــــم طيب يفوح ولا كــمسك وكــــــــــــم طير يطير ولا كبازى وأنشدت أيضا لبعضهم: الفقه أنفس كل شيئ أنت ذا خـــــره مــن يدرس العلم لم تدرس مفاخره فاكسب لنفسك ما أصبحت تجهــــله فأول العلم إقبال وآخـــــــــــــــــره وكفى بلذة العلم والفقه والفهم داعيا وباعثا للعاقل على تحصيل العلم. وقد يتولد الكسل من كثرة البلغم والرطوبات، وطريق تقليله، تقليل الطعام. قيل: اتفق سبعون طبيبا على أن النسيان من كثرة البلغم، وكثرة البلغم من كثرة شرب الماء، وكثرة شرب الماء من كثرة الأكل، والخبز اليابس يقطع البلغم، وكذلك أكل الزبيب على الريق، ولا يكثر منه، حتى لايحتاج إلى شرب الماء فيزيد البلغم. والسواك يقلل البلغم، ويزيد الحفظ والفصاحة، فإنه سنة سنية، تزيد فى ثواب الصلاة، وقراءة القرآن، وكذا القيء يقلل البلغم والرطوبات، وطريق تقليل الأكل التأمل فى منافع قلة الأكل هى: الصحة والعفة والإيثار. وقيل فيه شعر: فعار ثم عار ثم عار شقاء المرء من أجل الطعام وعن النبى عليه السلم أنه قال: ثلاثة يبغضهم الله من غير جرم: الأكول والبخيل والمتكبر. وتأمل فى مضار كثرة الأكل وهى: الأمراض وكلالة الطبع، وقيل: البطنة تذهب الفطنة. حكى عن جالينوس أنه قال: الرمان نفع كله، والسمك ضرر كله، وقليل السمك خير من كثرة الرمان. وفيه أيضا: إتلاف المال، والأكل فوق الشبع ضرر محض ويستحق به العقاب ودار الآخرة، والأكول بغيض فى القلوب. وطريق تقلييل الأكل: أن يأكل الأطعمة الدسمة ويقدم فى الأكل الألطف والأشهى، ولايأكل مع الجائع إلا إذا كان له غرض صحيح، بأن يتقوى به على الصيام والصلاة والأعمال الشاقة فله ذلك
فصل فى بداية السبق وقدره وترتيبه
كان أستاذنا شيخ الإسلام برهان الدين رحمه الله يوقف بداية السبق على يوم الأربعاء، وكان يروى فى ذلك حديثا ويستدل به ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من شيئ بدئ يوم الأربعاء إلا وقد تم؛ وهكذا كان يفعل أبى. وكان يروى هذا الحديث عن أستاذه الشيخ الإمام الأجل قوام الدين أحمد بن عبد الرشيد رحمه الله. وسمعت ممن أثق به، أن الشيخ يوسف الهمذانى رحمه الله، كان يوقف كل عمل من الخير على يوم الأربعاء. وهذا لأن يوم الأربعاء يوم خلق فيه النور، وهو يوم نحس فى حق الكفار فيكون مباركا للمؤمنين. وأما قدر السبق فى الإبتداء: كان أبو حنيفة رحمه الله يحكى عن الشيخ القاضى الإمام عمر بن أبى بكر الزرنجرى رحمه الله أنه قال: قال مشايخنا رحمهم الله: ينبغى أن يكون قدر السبق للمبتدئ قدر ما يمكن ضبطه بالإعادة مرتين بالرفق ويزيد كل يوم كلمة حتى أنه وإن طال وكثر يمكن ضبطه بالإعادة مرتين، ويزيد بالرفق والتدريج، وأما إذا طال السبق فى الإبتداء واحتاج إلى الإعادة عشر مرات فهو فى الإنتهاء أيضا يكون كذلك، لأنه يعتاد ذلك، ولا يترك تلك الإعادة إلا بجهد كثير وقد قيل: السبق حرف، والتكرار ألف. وينبغى أن يبتدئ بشيئ يكون أقرب إلى فهمه، وكان الشيخ الإمام الأستاذ شرف الدين العقيلى رحمه الله يقول: الصواب عندى فى هذا ما فعله مشايخنا رحمهم الله، فإنهم كانوا يختارون للمبتدئ صغارات المبسوط لأنه أقرب إلى الفهم والضبط، وأبعد من الملالة، وأكثر وقوعا بين الناس. وينبغى أن يعلق السبق بعد الضبط والإعادة كثيرا، فإنه نافع جدا. ولا يكتب المتعلم شيئا لا يفهمه، فإنه يورث كلالة الطبع ويذهب الفطنة ويضيع أوقاته. وينبغى أن يجتهد فى الفهم عن الأستاذ بالتأمل وبالتفكر وكثرة التكرار، فإنه إذا قل السبق وكثرة التكرار والتأمل يدرك ويفهم. قيل: حفظ حرفين، خير من سماع وقرين، وفهم حرفين خير من حفظ سطرين. وإذا تهاون فى الفهم ولم يجتهد مرة أو مرتين يعتاد ذلك فلا يفهم الكلام اليسير، فينبغى أن لا يتهاون فى الفهم بل يجتهد ويدعو الله ويتضرع إليه فإنه يجيب من دعاه، ولا يخيب من رجاه. وأنشدنا الشيخ الأجل قوام الدين حماد بن إبراهيم بن إسماعيل الصفار الأنصارى إملاء للقاضى الخليل بن أحمد الشجرى فى ذلك شعرا: أخدم العلم خدمـــــــة المستفيد وأدم درسه بفعل حـــــــميد وإذا مـــــــا حفظت شيئا أعده ثم أكده غاية التأكــــــــــــيد كى لا يزول ثم علقه كى تعود إليه وإلى درسه على التأبيد فإذا ما أمنت مــــــــــــنه فواتا فانتدب بعده لشيئ جــــــديد مع تكرار ما تقدم مــــــــــــنه واقتناء لشأن هـــــذا المـزيد ذاكــــــــر الناس بالعلوم لتحيا لا تكن من أولى النهى ببعيد إذا كتمت العلوم أنسيت حــتى لا ترى غير جـــــاهل وبليد ثم ألجمت فـــــــى القيامة نارا وتلهبت بالعـــــــذاب الشديد ولا بد لطالب العلم من المذاكرة، والمناظرة، والمطارحة، فينبغى أن يكون كل منها بالإنصاف والتأنى والتأمل، ويتحرز عن الشغب (والغضب)، فإن المناظرة والمذاكرة مشاورة، والمشاورة إنما تكون لاستخراج الصواب وذلك إنما يحصل بالتأمل والتأنى والإنصاف، ولا يحصل بالغضب والشغب. فإن كانت نيته من المباحثة إلزام الخصم وقهره، فلا تحل، وإنما يحل ذلك لإظهار الحق. والتمويه والحيلة لا يجوز فيها، إلا إذا كان الخصم متعنتا، لا طالبا للحق. وكان محمد بن يحيى إذا توجه عليه الإشكال ولم يحضره الجواب يقول: ما ألزمته لازم، وأنا فيه ناظر، وفوق كل ذى علم عليم. وفائدة المطارحة والمناظرة أقوى من فائدة مجرد التكرار لأن فيه تكرارا وزيادة. وقيل: مطارحة ساعة، خير من تكرار شهر. لكن إذا كان (مع) منصف سليم الطبيعة. وإياك والمذاكرة مع متعنت غير مستقيم الطبع، فإن الطبيعة متسرية، والأخلاق متعدية، والمجاورة مؤثرة. وفى الشعر الذى ذكره الخليل بن أحمد فوائد كثيرة، قيل: العلم من شرطه لمن خـــــدمه أن يجعل الناس كلهم خـــدمه وينبغى لطالب العلم أن يكون متأملا فى جميع الأوقات فى دقائق العلوم ويعتاد ذلك، فإنما يدرك الدقائق بالتأمل، فلهذا قيل: تأمل تدرك. ولا بد من التأمل قبل الكلام حتى يكون صوابا، فإن الكلام كالسهم، فلا بد من تقويمه قبل الكلام حتى يكون مصيبا. وقال فى أصول الفقه: هذا أصل كبير وهوأن يكون كلام الفقيه المناظر بالتأمل. قيل: رأس العقل أن يكون الكلام بالتثبت والتأمل. قال قائل شعرا: أوصيك فى نظم الكلام بخمسة إن كنت للموصى الشفيق مطيعا لا تغفلن سبب الكـــــلام ووقته والكيف والكــــم والمكان جميعا ويكون مستفيدا فى جميع الأوقات والأحوال من جميع الأشخاص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها اخذها. وقيل: خذ ما صفا، ودع ما كدر. وسمعت الشيخ الإمام الأجل الأستاذ فخر الدين الكاشانى يقول: كانت جارية أبى يوسف أمانة عند محمد (بن الحسن) فقال لها: هل تحفظين أنت فى هذا الوقت عن أبى يوسف فى الفقه شيئا؟ فقالت: لا، إلا أنه كان يكرر ويقول: سهم الدور ساقط، فحفظ ذلك منها، وكانت تلك المسألة مشكلة على محمد فارتفع أشكاله بهذه الكلمة. فعلم أن الإستفادة ممكنة من كل أحد. ولهذا قال ابو يوسف حين قيل: بم أدركت العلم؟ قال: ما استنكفت من الإستفادة من كل أحد وما بخلت من الإفادة. وقيل لابن عباس رحمه الله: بم أدركت العلم؟ قال: بلسان سؤول، وقلب عقول. وإنما سمي طالب العلم: ما تقول، لكثرة ما كانوا يقولون فى الزمان الأول. ما تقول فى هذه المسألة؟. وإنما تفقه أبو حنيفة رحمه الله بكثرة المطارحة والمذاكرة فى دكانه حين كان بزازا. فبهذا يعلم أن تحصيل العلم والفقه يجتمع مع الكسب. وكان أبو حفص الكبير يكتسب ويكرر العلوم، فإن كان لا بد لطالب العلم من الكسب لنفقة العيال وغيره فليكتسب وليكرر وليذاكر ولا يكسل. وليس لصحيح العقل والبدن عذر فى ترك التعلم والتفقه، فإنه لا يكون أفقر من أبى يوسف، ولم يمنعه ذلك من التفقه. فمن كان له مال كثير فنعم المال الصالح للرجل الصالح، المنصرف فى طريق العلم. قيل لعالم: بم أدركت العلم؟ قال: بأب غني. لأنه كان ينتفع به أهل العلم والفضل، فإنه سبب زيادة العلم لأنه شكر على نعمة العقل والعلم، وإنه سبب الزيادة. قيل: قال أبو حنيفة رحمه الله: إنما أدركت العلم بالحمد والشكر، فكلما فهمت ووفقت على فقه وحكمة قلت: الحمد لله، فازداد علمى. وهكذا ينبغى لطالب العلم أن يشتغل بالشكر باللسان والجنان والأركان والحال ويرى الفهم والعلم والتوفيق من الله تعالى ويطلب الهداية من الله تعالى بالدعاء له والتضرع إليه، فإن الله تعالى هاد من استهداه. فأهل الحق ـ وهم أهل السنة والجماعة ـ طلبوا الحق من الله تعالى، الحق المبين الهادى العاصم، فهداهم الله وعصمهم عن الضلالة. وأهل الضلالة أعجبوا برأيهم وعقلهم وطلبوا الحق من المخلوق العاجز وهو العقل، لأن العقل لا يدرك جميع الأشياء كالبصر، فإنه لا يبصر جميع الأشياء فحجبوا وعجزوا عن معرفته، وضلوا وأضلوا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الغافل من عمل بغفلته والعاقل من عمل بعقله. فالعمل بالعقل أولا: أن يعرف عجزنفسه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عرف نفسه فقد عرف ربه، فإذا عرف عجز نفسه عرف قدرة الله عزوجل، ولا يعتمد على نفسه وعقله بل يتوكل على الله، ويطلب الحق منه. ومن يتوكل على الله فهو حسبه ويهد يه إلى صراط مستقيم. ومن كان له مال كثير فلا يبخل، وينبغى أن يتعوذ بالله من البخل. قال النبى عليه السلام: أي دواء أدوأ من البخل. وكان أبو الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة الحلوانى، رحمه الله فقيرا يبيع الحلواء، وكان يعطى الفقهاء من الحلواء ويقول: أدعوا لابنى، فببركة جوده واعتقاده وشفقته وتضرعه إلى الله تعالى نال ابنه ما نال. ويشترى بالمال الكتب ويستكتب فيكون عونا على التعلم والتفقه. وقد كان لمحمد بن الحسن مال كثير حتى كان له ثلاثمائة من الوكلاء على ماله وأنفقه كله فى العلم والفقه، ولم يبق له ثوب نفيس فرآه أبو يوسف فى ثوب خلق فأرسل إليه ثيابا نفيسة فلم يقبلها فقال: عجل لكم، وأجل لنا، ولعله إنما لم يقبله وإن كان قبول الهدية سنة، لما رأى فى ذلك مذلة لنفسه. قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: ليس للمؤمن أن يذل نفسه. وحكي أن الشيخ فخر الإسلام الأرسابندى رحمه الله جمع قشور البطيخ الملقاة فى مكان خال فأكلها فرأته جارية فاخبرت بذلك مولاها فاتخذ له دعوة فدعاه إليها فلم يقبل لهذا. وهكذا ينبغى لطالب العلم أن يكون ذا همة عالية لا يطمع فى أموال الناس. قال النبى صلى الله عليه وسلم: إياك والطمع فإنه فقر حاضر. ولا يبخل بما عنده من المال بل ينفق على نفسه وعلى غيره. قال النبى عليه الصلاة والسلام: الناس كلهم فى الفقر مخافة الفقر وكانوا فى الزمان الأول يتعلمون الحرفة ثم يتعلمون العلم حتى لايطمعوا فى أموال الناس. وفى الحكمة من استغنى بمال الناس افتقر والعالم إذا كان طماعا لا يبقى له حرمة العلم ولا يقول بالحق ولهذا كان يتعوذ صاحب الشرح عليه السلام ويقول أعوذ بالله من طمع يدنى إلى طبع. وينبغى أن لا يرجو الأمن الله تعالى ولا يخاف إلا منه ويظهر ذلك بمجاوزة حد الشرع وعدمها فمن عصى الله تعالى خوفا من المخلوق فقد خاف غير الله تعالى، فإذا لم يعص الله تعالى لخوف المخلوق وراقب حدود الشرع فلم يخف غير الله تعالى بل خاف الله تعالى وكذا فى جانب الرجاء. وينبغى لطالب العلم أن يعد ويقدر لنفسه تقديرا فى التكرار فإنه لا يستقر قلبه حتى يبلغ ذلك المبلغ. وينبغى لطالب العلم أن يكرر سبق الأمس خمس مرات وسبق اليوم الذى قبل الأمس أربع مرات والسبق الذى قبله ثلاثا والذى قبله اثنين والذى قبله واحدا فهذا أدعى إلى الحفظ. وينبغى أن لا يعتاد المخافة فى التكرار لأن الدرس والتكرار ينبغى أن يكون بقوة ونشاط، ولا يجهر جهرا يجهد نفسه كيلا ينقطع عن التكرار، فخير الأمور أوسطها. وحكى أن أبا يوسف رحمه الله كان يذاكر الفقه مع الفقهاء بقوة ونشاط، وكان صهره عنده يتعجب فى أمره ويقول: أنا أعلم أنه جائع منذ خمسة أيام، ومع ذلك يناظر بقوة ونشاط. وينبغى أن لا يكون لطالب العلم فترة فإنها آفة، وكان أستاذنا شيخ الإسلام برهان الدين رحمه الله يقول: إنما غلبت شركائى بأنى لا تقع لى الفترة فى التحصيل. وكان يحكى عن الشيخ الأسبيجابى أنه وقع فى زمان تحصيله وتعلمه فترة اثنتى عشرة سنة بانقلاب الملك، فخرج مع شريكه فى المناظرة (إلى حيث يمكنهما الإستمرار فى طلب العلم وظلا يدرسانه معا) ولم يتركا الجلوس للمناظرة اثنتى عشرة سنة. فصار شريكه شيخ الإسلام للشافعيين وكان هو شافعيا. وكان أستاذنا الشيخ القاضى الإمام فخر الإسلام قاضى خان يقول: ينبغى للمتفقه أن يحفظ (كتابا) واحدا من (كتب) الفقه دائما فيتيسر له بعد ذلك حفظ ما سمع من الفقه
فصل فى التوكل
ثم لا بد لطالب العلم من التوكل فى طالب العلم ولا يهتم لأمر الرزق ولا يشغل قلبه بذلك. روى أبو حنيفة رحمه الله عن عبد الله بن الحارث الزبيدى صاحب رسل الله صلى الله عليه و سلم: من تفقه فى دين الله كفى همه الله تعالى ورزقه من حيث لا يحتسب. فإن من اشتغل قلبه بأمر الرزق من القوت والكسوة قل ما يتفرغ لتحصيل مكارم الأخلاق ومعالى الأمور. قيل: دع المكـــــارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك انت الطاعم الكاسى قال رجل (لابن) منصور الحلاج : أوصنى، فقال (ابن) المنصور : هي نفسك، إن لم تشغلها شغلتك. فينبغى لكل أحد أن يشغل نفسه بأعمال الخير حتى لا يشغل نفسه بهواها، ولا يهتم العاقل لأمر الدنيا لأن الهم والحزن لا يرد المصيبة، ولا ينفع بل يضر بالقلب والعقل، ويخل بأعمال الخير، ويهتم لأمر الآخرة لأنه ينفع. وأما قوله عليه الصلاة والسلام : إن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها إلا هم المعيشة فالمراد منه قدر هم لا يخل بأعمال الخير ولا يشغل القلب شغلا يخل بإحضار القلب فى الصلاة، فإن ذالك القدر من الهم والقصد من أعمال الآخرة. ولا بد لطالب العلم من تقليل العلائق الدنيوية بقدر الوسع فلهذا اختاروا الغربة. ولا بد من تحمل النصب والمشقة فى سفر التعلم، كما قال موسى صلوات الله على نبينا وعليه فى سفر التعلم ولم ينقل عنه ذلك فى غيره من الأسافر ( لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا). ليعلم أن سفر العلم لا يخلو عن التعب، لأن طلب العلم أمر عظيم وهو أفضل من الغزاة عند أكثر العلماء، والأجر على قدر التعب والنصب، فمن صبر على ذلك التعب وجد لذة العلم تفوق (لذات الدنيا). ولهذا كان محمد بن الحسن إذا سهر الليالى وانحلت له المشكلات يقول: أين أبناء الملوك من هذه اللذات؟. وينبغى (لطالب العلم) ألا يشتغل بشيئ (أخر غير العلم) ولا يعرض عن الفقه. قال محمد بن الحسن رحمه الله: صناعتنا هذه من المهد إلى اللحد فمن أراد أن يترك علمنا هذا ساعة فليتركه الساعة. ودخل فقيه، وهو إبراهيم بن الجراح، على أبى يوسف يعوده فى مرض موته وهو يجود بنفسه، فقال أبو يوسف: رمي الجمار راكبا أفضل أم راجلا؟ فلم يعرف الجواب، فأجاب بنفسه. وهكذا ينبغى للفقيه أن يشتغل به فى جميع أوقاته (فحينئذ) يجد لذة عظيمة فى ذلك. وقيل: رؤي محمد (بن الحسن) فى المنام بعد وفاته فقيل له: كيف كنت فى حال النزع؟ فقال: كنت متأملا فى مسألة من مسائل المكاتب، فلم أشعر بخروج روحى . وقيل إنه قال فى آخر عمره: شغلتنى مسائل المكاتب عن الإستعداد لهذا اليوم، وإنما قال ذلك تواضعا
فصل فى وقت التحصيل
قيل: وقت التعلم من المهد إلى اللحد. دخل حسن بن زياد فى التفقه وهو ابن ثمانين سنة، ولم يبت على الفراش أربعين سنة فأفتى بعد ذلك أربعين سنة. وأفضل الأوقات شرخ الشباب، ووقت السحر، وما بين العشائين. وينبغى أن يستغرق جميع أوقاته، فإذا مل من علم يشتغل بعلم آخر. وكان ابن عباس رضى الله عنه إذا مل من الكلام يقول: هاتوا ديوان الشعراء. وكان محمد بن الحسن لا ينام الليل، وكان يضع عنده الدفاتر، وكان إذا مل من نوع ينظر فى نوع آخر، (وكان يضع عنده الماء، ويزيل نومه بالماء، وكان يقول: إن النوم من الحرارة). اهـ
فصل فى الشفقة والنصيحة
ينبغى أن يكون صاحب العلم مشفقا ناصحا غير حاسد، فالحسد يضر ولا ينفع. وكان أستاذنا شيخ الإسلام برهان الدين رحمه الله يقول: قالوا إن ابن المعلم يكون عالما لأن المعلم يريد أن يكون تلميذه فى القرآن عالما فببركة اعتقاده وشفقته يكون ابنه عالما. وكان أبو الحسن يحكى أن الصدر الأجل برهان الأئمة جعل وقت السبق لابنيه الصدر الشهيد حسام الدين ( والصدر) السعيد تاج الدين وقت الضحوة الكبرى بعد جميع الاسباق، وكانا يقولان: إن طبيعتنا تكل وتمل فى ذلك الوقت، فقال أبوهما رحمه الله: إن الغرباء وأولاد الكبراء يأتوننى من أقطار الأرض فلا بد من أن أقدم أسباقهم. فببركة شفقته فاق ابناه أكثر فقهاء الأمصار، وأهل الأرض فى ذلك العصر. وينبغى أن لا ينازع أحدا ولا يخاصمه لأنه يضيع أوقاته. قيل: المحسن سيجزى بإحسانه والمسيئ ستكفيه مساويه. أنشدنى الشيخ الإمام الزاهد العارف ركن الإسلام محمد بن أبى بكر المعروف بإمام خواهر زاده مفتى الفريقين رحمه الله قال: أنشدنى سلطان الشريعة والطريقة يوسف الهمذانى: لا تجز (إنسانا) على سوء فعله سيكفيه مــا فيه وما هو فاعله قيل: من أراد أن يرغم أنف عدوه فليكرر وأنشدت هذا الشعر: إذا شئت أن تلقى عدوك راغمـا وتقتله غما وتحرقــــــــــه هما فرم للعلى وازدد من العلم إنه من ازداد علما زاد حاسده غما قيل: عليك أن تشتغل بمصالح نفسك لا بقهر عدوك، فإذا أقمت مصالح نفسك تضمن ذلك قهر عدوك. إياك والمعاداة فإنها تفضحك وتضيع أوقاتك، وعليك بالتحمل (لا) سيما من السفهاء. قال عيسى بن مريم صلوات الله عليه: احتملوا من السفيه واحدة كى تربحوا عشرا. وأنشدت لبعضهم شعرا: بلوت الناس قرنا بعـــــد قرن ولــــــم أر غير ختال وقالى ولم أر فى الخطوب أشد وقعا وأصعب من معاداة الرجال وذقت مرارة الأشياء طـــــرا وما ذقت أمر مــــن السؤال وإياك أن تظن بالمؤمن سوءا فإنه منشأ العداوة ولا يحل ذلك، لقوله عليه الصلاة والسلام: ظنوا بالمؤمنين خيرا. وإنما ينشأ ذلك من خبث النية وسوء السريرة، كما قال أبو الطيب: إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده مــــــن توهم وعادى محبيه بقول عداتــــــــــه وأصبح فى ليل من الشك مظلم وأنشدت لبعضهم: تنح عن القبيح ولا تـــرده ومن أوليته حسنا فزده ستكفى من عدوك كل كيد إذا كــاد العدو فلا تكده وأنشدت للشيخ العميد أبى الفتح البستى: ذو العقل لا يسلم مـــــــن جاهل يسومـــــــــــــه ظلما وإعناتا فليختر السلم على حربـــــــــــه ولـــــــيلزم الإنصات إنصاتا
فصل فى الاستفادة واقتباس الادب
وينبغى أن يكون طالب العلم مستفيدا فى كل وقت حتى يحصل له الفضل والكمال فى العلم. وطريق الإستفادة أن يكون معه فى كل وقت محبرة حتى يكتب ما يسمع من الفوائدالعلمية. قيل: من حفظ فر ومن كتب قر. وقيل: العلم ما يؤخذ من أفواه الرجال، لأنهم يحفظون أحسن ما يسمعون، ويقولون أحسن ما يحفظون. وسمعت عن شيخ الإمام الأديب الأستاذ زين الإسلام المعروف بالأديب المختار يقول: قال هلال (بن زيد) بن يسار: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه شيئا من العلم والحكمة، فقلت يا رسول الله أعد لى ما قلت لهم، فقال لى: هل معك محبرة؟ فقلت: ما معى محبرة، فقال النبى عليه السلام: ياهلال لا تفارق المحبرة لأن الخير فيها وفى أهلها إلى يوم القيامة. ووصى الصدر الشهيد حسام الدين إبنه شمس الدين أن يحفظ كل يوم شيئا من العلم والحكمة فإنه يسير، وعن قريب يكون كثيرا. واشترى عصام بن يوسف قلما بدينار ليكتب ما يسمعه فى الحال، فالعمر قصير والعلم كثير. فينبغى أن لا يضيع طالب العلم الأوقات والساعات ويغتنم الليالى والخلوات. يحكى عن يحيى بن معاذ الرازى (أنه قال) الليل طويل فلا تقصره بمنامك، والنهار مضيئ فلا تكدره بآثامك. وينبغى أن يغتنم الشيوخ ويستفيد منهم، وليس كل ما فات يدرك، كما قال أستاذنا شيخ الإسلام فى مشيخته: كم من شيخ كبير أدركته وما استخبرته. وأقول على هذا الفوت منشئا هذا البيت: لهفا على فوت التلاقى لهفا ما كل ما فات ويفنى يلفى قال على رضى الله عنه: إذا كنت فى أمر فكن فيه، وكفى بالإعراض عن علم الله خزيا وخسارا واستعذ بالله منه ليلا ونهارا. ولا بد لطالب العلم من تحمل المشقة والمذلة فى طلب العلم، والتملق مذموم إلا فى طلب العلم فإنه لا بد له من التملق للأستاذ والشريك وغيرهم للإستفادة منهم. قيل: العلم عز لا ذل فيه، لا يدرك إلا بذل لا عز فيه. وقال القائل: أرى لك نفسا تشتهى أن تعزها فلست تنال العز حــتى تذلها
فصل فى الورع في حالة التعليم
روى بعضهم حديثا فى هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من لم يتورع فى تعلمه ابتلاه الله تعالى بأحد ثلاثة أشياء: إما أن يميته فى شبابه، أو يوقعه فى الرساتيق، أو يبتليه بخدمة السلطان؛ فكلما كان طالب العلم أورع كان علمه أنفع، والتعلم له أيسر وفوائده أكثر. ومن الورع (الكامل) أن يتحرز عن الشبع وكثرة النوم وكثرة الكلام فيما لا ينفع، وأن يتحرز عن أكل طعام السوق إن أمكن، لأن طعام السوق أقرب إلى النجاسة والخباثة، وأبعد عن ذكر الله وأقرب إلى الغفلة، ولأن أبصار الفقراء تقع عليه ولا يقدرون على الشراء منه، فيتأذون بذلك فتذهب بركته. وحكي أن الإمام الشيخ الجليل محمد بن الفضل كان فى حال تعلمه لايأكل من طعام السوق، وكان أبوه يسكن فى الرساتيق ويهيئ طعامه ويدخل أليه يوم الجمعة، فرأى فى بيت ابنه خبز السوق يوما فلم يكلمه ساخطا على ابنه فاعتذر ابنه، فقال: ما اشتريت أنا ولم أرض به ولكن أحضره شريكى، فقال أبوه: لو كنت تحتاط وتتورع عن مثله لم يجرؤ شريكك على ذلك. وهكذا كانوا يتورعون فلذلك وفقوا للعلم والنشر حتى بقى اسمهم إلى يوم القيامة. ووصى فقيه من زهاد الفقهاء طالب العلم أن يتحرز عن الغيبة وعن مجالسة المكثار، وقال: من يكثر الكلام يسرق عمرك ويضيع أوقاتك. ومن الورع أن يجتنب من أهل الفساد والمعاصى والتعطيل، (ويجاور الصلحاء) فإن المجاورة مؤثرة، وأن يجلس مستقبل القبلة ويكون مستنا بسنة النبى عليه الصلاة والسلام، ويغتنم دعوة أهل الخير، ويتحرز عن دعوة المظلومين. وحكي أن رجلين خرجا فى طلب العلم للغربة وكانا شريكين فرجعا بعد سنين إلى بلدهما وقد فقه أحدهما ولم يفقه الآخر، فتأمل فقهاء البلاد وسئلوا عن حالهما وتكرارهما وجلوسهما فأخبروا أن جلوس الذى تفقه فى حال التكرار كان مستقبل القبلة والمصر الذى (حصل العلم فيه) والآخر كان مستدبرا القبلة ووجهه إلى غير المصر. فاتفق العلماء والفقهاء أن الفقيه فقه ببركة استقبال القبلة إذ هو السنة فى الجلوس إلا عند الضرورة، وببركة دعاء المسلمين فإن المصر لا يخلو من العباد وأهل الخير والزهد، فالظاهر أن عابدا دعا له فى الليل. فينبغى لطالب العلم أن لؤا يتهاون بالآداب والسنن، ومن تهاون بالأدب حرم السنن، ومن تهاون بالسنن حرم الفرائض، ومن تهاون بالفرائض حرم الآخرة. وبعضهم قالوا بهذا حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وينبغى أن يكثر الصلاة، ويصلى صلاة الخاشعين، فإن ذلك عون له على التحصيل والتعلم. وأنشدت للشيخ الإمام الجليل الزاهد الحجاج نجم الدين عمر بن محمد النسفى شعرا: كـــــــــــن للأوامر والنواهى حافظا وعلى الصلاة مواظبا ومحافظا واطلب علوم الشرع واجهد واستعن بالطيبات تصر فقيها حافــــــظا واسئل إلهك حفـــــــظ حفظك راغبا مــــــــن فضله فالله خير حافظا كــــــــــن للأوامر والنواهى حافـظا وعلى الصلاة مواظبا ومحافظا واطلب علوم الشرع واجهد واستعن بالطيبات تصر فقيها حافــــــظا واسئل إلهك حفـــــــظ حفظك راغبا مــــــــن فضله فالله خير حافظا وقال رحمة الله عليه: أطيعوا وجدوا ولا تكسلوا وأنتم إلــى ربكم ترجعون ولا تهجعوا فخيار الورى قليلا من الليل ما يهجعون وينبغى أن يستصحب دفترا على كل حال ليطالعه. وقيل: من لم يكن الدفتر فى كمه لم تثبت الحكمة فى قلبه. وينبغى أن يكون فى الدفتر بياض ويستصحب المحبرة ليكتب ما يسمع من العلماء. وقد ذكرنا حديث هلال بن يسار
فصل فيما يورث الحفظ وفيما يورث النسيان
وأقوى أسباب الحفظ: الجد والمواظبة، وتقليل الغذاء، وصلاة الليل، وقراءة القرآن من أسباب الحفظ. قيل: ليس شيئ أزيد للحفظ من قراءة القرأن نظرا، والقراءة نظرا أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام: أعظم أعمال أمتى قراءة القرآن نظرا. ورأى شداد بن حكيم بعض إخوانه فى المنام، فقال لأخيه: أى شيئ وجدته أنفع؟ قراءة القرآن نظرا. ويقول عند رفع الكتاب: بسم الله وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله اكبر، لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم العزيز العليم، عدد كل حرف كتب ويكتب أبد الآبدين ودهر الداهرين. ويقول بعد كل مكتوبة: آمنت بالله الواحد الأحد الحق، وحده لا شريك له، وكفرت بما سواه. ويكثر الصلاة على النبى عليه السلام فإن ذكره رحمة للعالمين. (قال الشافعى رضى الله عنه:) شكوت إلى وكيع سوء حفظى (فأرشدنى) إلى ترك المعاصى فإن الحفظ فضل مــــــــن الله وفضل الله لا يعطى لعاصـــــى. والسواك وشرب العسل وأكل الكندر مع السكر وأكل إحدى وعشرين زبيبة حمراء كل يوم على الريق يورث الحفظ ويشفى من كثير من الأمراض والأسقام، وكل ما يقلل البلغم والرطوبات يزيد فى الحفظ، وكل ما يزيد فى البلغم يورث النسيان. وأما ما يورث النسيان فهو: المعاصى وكثرة الذنوب والهموم والأحزان فى أمور الدنيا، وكثرة الإشتغال والعلائق، وقد ذكرنا أنه لا ينبغى للعاقل أن يهتم لأمر الدنيا لأنه يضر ولا ينفع، وهموم الدنيا لا تخلو عن الظلمة فى القلب، وهموم الآخرة لا تخلو عن النور فى القلب، ويظهر أثره فى الصلاة، فهم الدنيا يمنعه من الخيرات، وهم الآخرة يحمله عليه، والإشتغال بالصلاة على الخشوع وتحصيل العلم ينفى الهم والحزن، كما قال الشيخ نصر بن الحسن المرغينانى فى قصيدة له: استعن نصر بن الحسن فــــــــى كل علم يحتـزن ذاك الذى ينفى الحــزن وما سواه باطل لا يؤتمن والشيخ الإمام الأجل نجم الدين عمر بن محمد النسفى قال فى أم ولد له: سلام على مـــــــــن تيمتنى بظرفـها ولمعة خــــــــدها ولمحة طرفها سبتنى وأصبتنى فـــــــــــــتاة مليحة تحيرت الأوهام فى كـنه وصفها فقلت: ذرينى واعذرينــــــــى فإننـى شغفت بتحصيل العلوم وكــشفها ولى فى طلاب الفضل والعلم والتقى غنى عن غناء الغانيات وعرفها وأما أسباب نسيان العلم: فأكل الكزبرة الرطبة، والتفاح الحامض، والنظر إلى المصلوب، وقراءة الخط المكتوب على حجارة القبور، والمرور بين قطار الجمال، وإلقاء القمل الحي على الأرض، والحجامة على نقرة القفا، كلها يورث النسيان
فصل فيما يجلب الرزق وفيما يمنع وما يزيد في العمر وما ينقص وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب
ثم لابد لطالب العلم من القوة ومعرفة ما يزيد فيه وما يزيد فى العمر والصحة ليتفرغ فى طلب العلم، وفى كل ذلك صنفوا كتبا، فأوردت بعضها هنا على سبيل الإختصار. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يرد القدر إلا بالدعاء، ولا يزيد فى العمر إلا البر، فإن الرجل ليحرم من الرزق بذنب يصيبه. ثبت بهذا الحديث أن إرتكاب الذنب سبب حرمان الرزق خصوصا الكذب فإنه يورث الفقر، وقد ورد فيه حديث خاص، وكذا نوم الصبحة يمنع الرزق، وكثرة النوم تورث الفقر، وفقر العلم أيضا. قال القائل شعرا: سرور الناس فى لبس اللباس وجمع العلم فـى ترك النعاس وقال: أليس مــــــن الحزن أن لياليا تمر بلا نفع وتخسر من عمر وقال أيضا: قـــــم الليل يا هذا لعلك ترشد إلى كم تنام الليل والعمر ينفد والنوم عريانا، والبول عرينا، والأكل جنبا، والأكل متكئا على جنب، والتهاون بسقوط المائدة، وحرق قشر البصل والثوم، وكنس البيت فى الليل بالمنديل، وترك القمامة فى البيت، والمشي قدام المشايخ، ونداء الوالدين باسمهما، والخلال بكل خشبة، وغسل اليدين بالطين والتراب، والجلوس على العتبة، والاتكاء على أحد زوجي الباب، والتوضؤ فى المبرز، وخياطة الثوب على بدنه، وتجفيف الوجه بالثوب، وترك العنكبوت فى البيت، والتهاون فى الصلاة، وإسراع الخروج من المسجد بعد صلاة الفجر، والإبتكار بالذهاب إلى السوق، والابطاء فى الرجوع منه، وشراء كسرات الخبز من الفقراء، والسؤال، ودعاء الشر على الوالد، وترك تخمير الأوانى وإطفاء السراج بالنفس: كل ذلك يورث الفقر، عرف ذلك بالآثار. وكذا الكتابة بالقلم المعقود، والامتشاط بالمشط المنكسر، وترك الدعاء للوالدين، والتعمم قاعدا، والتسرول قائما، والبخل والتقتير، والإسراف، والكسل والتوانى والتهاؤن فى الأمور. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استنزلوا الرزق بالصدقة؛ والبكور مبارك يزيد فى جميع النعم خصوصا فى الرزق. وحسن الحظ من مفاتيح الرزق وبسط الوجه وطيب الكلام يزيد فى الحفظ والرزق. وعن الحسن بن على: كنس الفناء وغسل الإناء مجلبة للغنى. وأقوى الأسباب الجاذبة للرزق إقامة الصلاة بالتعظيم والخشوع، وتعديل الأركان وسائر واجباتها وسننها وآدابها، وصلاة الضحى فى ذلك معروفة، وقراءة سورة الواقعة خصوصا فى الليل وقت النوم، وقراءة الملك، والمزمل، والليل إذا يغشى وألم نشرح لك، وحضور المسجد قبل الأذان، والمداومة على الطهارة، وأداء سنة الفجر والوتر فى البيت. وأن لا يتكلم بكلام الدنيا بعد الوتر ولا يكثر مجالسة النساء إلا عند الحاجة، وأن لا يتكلم بكلام لغو. وقيل: من اشتغل بما لا يعنيه فاته ما يعنيه. قال بزرجمهر: إذا رأيت الرجل يكثر الكلام فاستيقن بجنونه. وقال على رضى الله عنه: إذا تم العقل نقص الكلام. قال المصنف رحمه الله: واتفق لى فى هذا المعنى شعرا: إذا تم عقل المرء قل كلامـــه وأيقن بحمق المرء إن كان مكثرا النطق زين والسكوت سلامة فإذا نطقت فلا تكون مكــــــــــثرا ما ندمت على سكوت مــــرة ولقد ندمت على الكلام مــــــرارا وأما ما يزيد فى الرزق: أن يقول كل يوم بعد انشقاق الفجر إلى وقت الصلاة: سبحان الله العظيم وبحمده، سبحان الله العظيم وبحمده، وأستغفر الله العظيم وأتوب إليه مائة مرة، وأن يقول: لا إله إلا الله الملك الحق المبين كل يوم صباحا ومساء مائة مرة. وأن يقول بعد صلاة الفجر كل يوم: الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، ثلاثا وثلاثين مرة، وبعد صلاة المغرب أيضا، ويستغفر الله تعالى سبعين مرة بعد صلاة الفجر، ويكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم. ويقول يوم الجمعة سبعين مرة : اللهم أغننى بحلالك عن حرامك واكفنى بفضلك عمن سواك. ويقول هذا الثناء كل يوم وليلة : أنت الله العزيز الحكيم، أنت الله الملك القدوس، أنت الله الحكيم الكريم، انت الله خالق الخير والشر، أنت الله خالق الجنة والنار، أنت الله عالم الغيب والشهادة، أنت الله عالم السروأخفى، أنت الله الكبير المتعال، أنت الله خالق كل شيئ واليه يعود كل شيئ، أنت الله ديان يوم الدين، لم تزل ولا تزال، أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، أنت الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبرلا إله إلا أنت الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما فى السموات والأرض وهو العزيز الحكيم. وأما ما يزيد في العمر: البر، وترك الأذى، وتوقير الشيوح، وصلة الرحم، وأن يقول حين يصبح ويمسى كل يوم ثلاث مرات : سبحان الله ملء الميزان، ومنتهى العلم، ومبلغ الرضا، وزنة العرش. ولا إله إلا الله ملء الميزان، ومنتهى العلم وزنة العرش. والله أكبر، ملء الميزان، ومنتهى العلم، ومبلغ الرضا، وزنة العرش. وأن يتحرز عن قطع الأشجار الرطبة إلا عند الضرورة، وإسباغ الوضوء والصلاة بالتعظيم، والقرآن بين الحج والعمرة، وحفظ الصحة، ولا بد أن يتعلم شيئا من الطب، ويتبرك بالآثار الواردة فى الطب التى جمعها الإمام أبو العباس المستغفري في كتابه المسمى : بطب النبى عليه السلام، يجده من يطلبه (فهو كتاب مشهور). والحمد لله على التمام، وصلى الله على سيدنا محمد أفضل الرسل الكرام، وآله وصحبه الأئمة الاعلام، على ممر الدهور وتعاقب الأيام، آمين. اهـ
ترجمة المؤلف العلامة الزرنوجي
١- إسمه؛
الزرنوجى نسبة إلى بلده زرنوج، وهى كما يقول القرشى صاحب الجواهر المضيئة، من بلاد الترك. أما ياقوت الحموى فقال عنها فى معجمه: بلد مشهور بما وراء النهر بعد خوجند من أعمال تركستان. وما وراء النهر هى البلاد الواقعة وراء نهر جيحون بخراسان التى قال عنها ياقوت: من أنزه الأقاليم وأخصبها وأكثرها خيرا. وأول من أرسل الجيوش لفتحها هو الحجاج بن يوسف (توفي ٩٥هـ/ ٧١٤ م) بأمر من الخليفة ـ عبد الملك بن مروان بن الحكم (توفي سنة ٨٦ هـ/٧٠٥ م). اهـ
٢- شخصيته؛
إن قلة المعلومات حول حياة الزرنوجى لا تغنى بالتالى استحالة تكوين فكرة عن شخصيته التى تلمسها بوضوح فى كتابه، فمن خلال قراءة كتاب (تعليم المتعلم) تتبين لنا ملامح تلك الشخصية فهو: فقيه حنفى متعصب لمذهبه، وتبعيته لمذهبه تظهر فى مصنفه الذى أورد فيه العديد من الإستشهادات والأقوال السائرة، أغلبها لعلماء وفقهاء أحناف، مع أن الكتاب لا يمت بصلة إلى أى من مواضيع الفقه ولا يتناول مذهب الإمام أبى حنيفة بأية دراسة، وتظهر أيضا بتلميحه إلى بعض كتب الأحناف المختصرة فى الفقه، التى رأى أن على المتعلم حفظها فى بداية طريق التعلم، بل أوجب تقطيع الورق للكتابة على ما كان يفعله الإمام أبى حنيفة (انظر ص ٨٤). عذا اهتمام الزرنوجى بالناحية الفقهية، فقد وصفه المستشرق بٓلٓسْنٓرْ بأنه فيلسوف عربى. ولا ندرى على أى مرجع اعتمد فى تأكيده لدراسة الزرنوجى الفلسفة ورسمه بالفيلسوف، أما أن يكون الزرنوجى عربيا فهذا وهم بين، فإن صاحبنا ولد ونشأ فى منطقة توصف بأنها من (بلاد الترك) فهو ليس عربيا رغم معرفته وكتابته بالعربية والتى كانت لغة الحضارة الإسلامية فى كل بلاد الإسلام، كما أنه ليس هناك ما يدل على أن أصله من العرب القاطنين فى تلك المناطق. كما يحرص مؤلف كتب التراجم على ذكر هذه النسبة فيمن تتوفر له، ولذلك فقد كان من الأجدر به أن يعرف الزرنوجى بأنه: عالم تربوى أو فقيه حنفى أو غير ذلك مما يتناسق مع شخصيته ومما يتوفر له الدليل. وبهذه النسبة أيضا عرف رجل آخر هو النعمان بن إبراهيم الزنوجى، ذكره صاحب الجواهر المضيئة فى ترجمة المؤلف فقال: هو فى طبقة النعمان بن إبراهيم الزرنوجى، وقد توفي ـ كما ذكر فى موضع آخر ـ عام ٦٤٠/ ١٢٤٢ فى بخارى. لقبه: تاج الدين، وكان أديبا، وله الموضح فى شرح مقامات الخريرى. اهـ
٣- شيوخه؛
أخذ الزرنوجى العلم عن عدد من مشايخه وعلماء عصره المشهورين والمكثرين من التصنيف فى الفقه والأدب، يجمعهم قاسم مشترك وهو كونهم من الأحناف. ولا شك أن دراسة المرء العلم على رجال من مدرسة فكرية ومذهبية واحدة، وخصوصا المدارس التى تكونت لها جذورا علمية عميقة ولعبت دورا مجتمعيا هاما، إن هذه الدراسة عليهم تترك بصماتها واضحة ثابتة على منهجه العلمى الذى لن يجعل سوى متابعة ذات التوجه الفكرى ولا يحيد عن طريقه وذلك مما يمكن أن يدرك بسهولة تامة. إن مرجعنا الرئيسى فى التعرف على مشايخه هو كتابه فقد ذكر فيه عددا منهم وأورد أقوالا تنسب إليهم. أما أشهر من أكثر النقل عنه فى مواضع عديدة من الكتاب فهو برهان الدين علي بن أبى بكر المرغينانى المتوفى عام ٥٩٣/ ١١٩٧ م وصاحب كتاب الهداية فى الفقه وكثير من التصانيف وهو من كبار فقهاء الأحناف فى عصره. والآخرون فمنهم: - ركن الإسلام محمد بن أبى بكر المعروف بخواهر زاده أو إمام زاده، مفتى أهل بخارى وهو فقيه وأديب وشاعر، توفي عام ٥٧٣/ ١١٧٧ م. - حماد بن إبراهيم: فقيه وأديب ومتكلم توفي عام ٥٧٦ هـ/ ١١٨٠ م. - فخر الدين الكاشانى: وأغلب الظن أنه أبو بكر بن مسعود الكاشانى صاحب كتاب (بدائع الصنائع) فى الفقه، توفى عام ٥٨٧/ ١١٩١. - فخر الدين قاضى خان الأوزجندى، له العديد من المؤلفات الفقهية وكان مجتهدا، توفي ٥٩٢/ ١١٩٦. - الأديب المختار ركن الدين الفرغانى: فقيه وأديب وشاعر، المتوفى عام ٥٩٤/ ١١٩٨. اهـ
٤- مؤلفاته؛
عرف برهان الإسلام الزرنوجى بأنه مؤلف كتاب تعليم المتعلم، ولم يشتهر كتابه بنسبته إليه عكس من المصنفين، فقد ترجم له غير واحد بأنه (مصنف كتاب تعليم المتعلم). وهذا دليل على شهرة أمر الكتاب لأهميته مع قلة المعلومات حول صاحبه كما سبق ذكره. عدا ذلك فإننا نستنتج فائدة أخرى، وهى أن هذا الكتاب هو المصنف الوحيد الذى كتبه الزرنوجى ولم يكن له نتاج علمى آخر، لا فى التربية ولا فى الفقه أو غيره من العلوم طالما أن جميع من حكى عنه اكتفى بذكر كتابه هذا. وعلى ذلك فإن ما كتبه المستشرق بلسنر فى الموسوعة الإسلامية من أن تعليم المتعلم: (هو الكتاب الوحيد الذى بقى من مؤلفات الزرنوجى) يحمل فى ضمنه التأكيد على أن هناك مؤلفات أخرى له وأنها ضاعت واندثرت. ونحن نعتبر أن ما قاله بلسنر هو محل ادعاء لأمر غير موجود طالما أنه لم يورد الدليل عليه، صحيح أن الغزو المغولى الذى حدث أواخر أيام الزرنوجى وفى بلاده بالذات ربما يكون قد أباد ودمر، إلا أن القضية تبقى فى جانب الظن.
٥- متى عاش الزرنوجى؛ لم نجد فى المراجع سنة ولادة أو سنة وفاة الزرنوجى، مما يصعب معه بادئ ذى بدء أن نعين بالضبط الفترة التى عاش فيها، فكما أغفلت كتب التراجم ذكر معطيات كاملة حول شخصيته، لم تنقل لنا كذلك ما يفيد عن السنوات التى اشتهر أمره بها أو ألف كتابه خلالها. فى الكتابات الحديثية عن الزرنوجى وآرائه فى التعلم ذكرت سنة وفاته أنها عام ٥٩١ أو ٥٩٣ أو ٥٩٧ دون دليل أو اكتفى بذكر أنه من أبناء القرن السادس الهجرى دون تحديد. وعند أول قراءتنا للمخطوط وكذلك النسخ المطبوعة تولد لدينا شك فى صحة نقل من أورد سنة وفاته على الشكل المذكور، وقد غلب على ظننا أن وفاته تأخرت إلى ما بعد ذلك بكثير باعتبار أن بعض مشايخه الذين ذكرهم فى الكتاب توفوا فى العشر الأواخر من القرن السادس الهجرى، ومن بديهيات الأمور أنه تلقى عليهم العلم شابا مع كبر سنهم مما يرجح كونه قد عاش إلى بدايات القرن السابع الهجرى. وقد اطلعت على ما كتبه بلنسر فى الموسوعة الإسلامية فى بحثه عن الزرنوجى فقد أكد على تأخر وفاته عما ذكر دون أن يحددها ويرجح أنه قد ألف كتابه بعد عام ٥٩٣، وذلك بناء على الفرق الطبيعى للأعمار بينه وبين أساتذته. إن ما ذهبنا إليه بالنسبة إلى الشك فى سنة وفاته يعنى ـ وإن يكن بلنسر قد سبقنا فيه ـ أن المنهج الذى اتبعناه فى التعرف على هذه القضية مقبول إلى درجة ما، وخصوصا أننا ذهبنا إلى تحديد وفاته بشكل أدق. فقد ذكر آلوارت أن الزرنوجى قد نبه ذكره حوالى عام ٦٢٠/ ١٢٢٣، ووجدنا ما يؤيده وذلك فيما كتبه القرشى فى الجواهر من أن الزرنوجى هو فى طبقة النعمان بن إبراهيم الزرنوجى المتوفى عام ٦٤٠ هـ. فإن لم يكن الزرنوجى قد توفي فى ذلك العام ـ مع إمكانية حدوثه ـ فقد توفي قريبا لأنه عاصر النعمان وعاش فى نفس الجليل أى الثلث الأول على الأقل من القرن السابع الهجرى. وبذلك يمكن لنا التأكيد على أن الزرنوجى قد عاش فى الفترة ما بين منتصف القرن السادس إلى نهاية الثلث الأول من القرن السابع الهجرى وعلى أن ما كتب عن سنة وفاته وهم. وهذا التحديد يعنينا بشكل خاص للحرص على صحة نقل كل ما يمس الزرنوجى من معلومات. والزرنوجى ابن عصره وبيئته بأفكاره وعلومه ومعتقداته وهو أيضا ككل مثقف وكاتب أو مشارك فى ثقافة عصره يتأثر بواقع بيئته السياسى والإجتماعى والعلمى والحاضرى ليقدم بعد ذلك نتاجا يؤثر فى واقعه، على اختلاف فى درجة التأثير والتغيير. فما هو عصر الزرنوجى؟ وما هى سمات تلك الفترة التى عاش فيها؟
٦- عصر الزرنوجى؛
لعل القرنين السادس والسابع الهجريين حملا الكثير من ملامح القرون السابقة التى شهدت انفصالا حقيقيا بين الأوضاع السياسية وبين ازدهار المدنية الإسلامية. ففى الوقت الذى نرى فيه الصراع السياسى وتفكك الدولة العظمى إلى إمارات ومناطق نفوذ، ندهش لما أنتجته تلك المدنية من أفكار وعلوم، وعلماء وأدباء فى شتى نواحى المعرفة. وهذان القرنان (السادس والسابع) وإن حملا تلك الملامح البارزة، فقد اختصا بمعاصرة الرياح العاتية التى ضربت شجرة الحضارة، وذلك من البدايات الأولى للإهتزاز حتى الهجمة العنيفة التى أطاحت بكثير من أجزاء كيان تلك الشجرة. وعليه فمن كان ابن ذاك العصر سيحرص بالتأكيد على المشاركة قدر طاقته فى المحافظة على ما لدى بيئته وزمانه، ورد الأمور إلى أصولها، وذلك كحد أدنى إن لم يستطع أن يعيد هو ما فقدته أمته خلال التصادم. أما من ناحية المدنية الإسلامية فقد تابعت وقتئذ مسيرتها وازدهرت ثقافتها رغم كل الظروف الصعبة من حروب داخلية مدمرة ومن تعدد المذاهب الكلامية والفلسفية وكثرة الفرق والمذاهب. وقد قام السلاجقة بدور هام فى إيجاد مكان ثابت للإزدهار بعد أن قضوا نوعا ما على الإهتزاز السياسى الذى كاد أن يدمر الحضارة وأعادوا للخلافة العباسية بعض مظهرها، مع احتفاظهم بالسيطرة الفعلية لأنفسهم، وذلك فيما وراء النهر وفارس والعراق. والمضمون الثقافى لهذا الإستقرار النسبى كان فى جهد السلاجقة بإنشاء المدارس والمؤسسات التعليمية والمعاهد الدينية، والذى يمكن اعتباره العمل الأول من نوعه فى التاريخ الإسلامى. وقد كانت المدرسة النظامية فى نيسابور وبغداد أنموذجا لتخريج العلماء وللنشر الثقافى والفكر المتطور. وكذلك كان الحال أيام الأيوبيين، الذين دامت سلطتهم من سنة ٥٤٦ هـ إلى ٦٤٧ هـ، والذين تفوقوا على السلاجقة فى رعاية العلم والثقافة بإنشاء المدارس المتعددة التخصصات والتى فتحت أبوابها لكل راغب فى التعلم. كما وان كثرة عدد المدارس كان صورة واضحة المعالم عن عمق الثقافة وأثرها فى المجتمع المسلم. أما الوضع السياسى فقد كان يعانى فى جبهتين: داخلية وخارجية. فالوضع الداخلى كان قد وقع فى تمزق عنيف نتيجة صراع السلاجقة المتأخرين وبالذات أبناء السلطان السلجوقى ملكشا كاد يدمر ما رممه أوائلهم. أما المعاناة الخارجية فكانت نتيجة الهجمات الغربية التى سميت بالحروب الصليبية. وهذه الحروب ـ كما يرى ابن الأثيرـ سلسلة من الردود الغربية على التوسع الإسلامى والتى بدأت بالهجمة على الأندلس وغزو طليطلة عام ٤٧٨ هـ/ ١٠٨٥ م. وقد تتابعت الحملات الصليبية على المشرق المسلم بشكل متواصل حتى بدايات القرن السابع الهجرى. ورغم أن السلاجقة المتصارعين نجحوا فى رد الغزو الصليبى، فقد وجد الصليبيون لأنفسهم موطئ قدم فى هذه البلاد، ولم يفلح فى إزاحتهم عنه سوى السلطان الأيوبى صلاح الدين فى معركته الكبرى لاستعادة بيت المقدس عام ٥٨٣/١١٨٧، ومن ثم طردهم نهائيا على يد السلطان المملوكى قلاوون (حكم من سنة ٦٧٨-٦٨٩) وابنه الملك الأشرف خليل ( ٦٨٩-٦٩٣). ومن ناحية أخرى تعرض العالم الإسلامى إلى ضربة عنيفة أخرى، أقوى من سابقتها، وكانت على يد التتار. وكان أثرهم فى التدمير كبيرا لدرجة أنهم قضوا على كل مظهر حضارى، حتى أن المؤرخ ابن الأثير اعتبر أن وصفه لهذا الحدث سيكون (نعيا للإسلام والمسلمين). وقد بدأ غزوهم للعالم الإسلامى عام ٦١٧، بدءا من بلادهم على حدود الصين إلى أطراف بلاد الشام، وبين هاتين المنطقتين دمروا كل ما وجد فى طريقتهم. تلك لمحة تاريخية عن الفترة التى عاش فيها الزرنوجى بإزدهارها وبكوارثها. ولا شك أن هذا التصادم الثقافى ـ الحربى مع الصليبيين، والتدميرى مع المغول، أثار فى نفوس المسلمين وعيا للخطر الثقافى عليهم ورغبة فى التمسك بالأصول والعودة إلى الأخذ بمناهج القديم. ومن هنا فإن فى طيات كتاب الزرنوجى لمحة من هذا التوجه الذى يعبر عن مشاركة المؤلف فى قضايا بيئته وعصره. أما قضية العودة إلى الأصول والتمسك بمناهجه فهو أمر شديد الحساسية ويتطلب دقة فى السلوك الفكرى، فما حدث سابقا فى تلك الفترة وإن يكن معبرا عن إيجابية فى ضرورة الإعتماد على الجذور الحضارية الأصيلة إلا أنها كانت فى ذات الوقت أثرا لردة فعل وبرأينا إن ردات الفعل قلما تنتهج الطريق السوى الموصل للهدف. ولهذا، فإن العودة إلى الأصول أدت ببعض المسلمين وقتها إلى التقوقع الفكرى وبالذات إلى التقوقع التربوى التعليمى، وذلك بحصر التربية والتعليم فى ثوابت ثقافية لم تستطع الخروج منها طيلة قرون. اهـ
٧- تقريب الكتاب؛
يحتل موضوع التعلم مكانا بارزا فى علم النفس التربوى، لما له من دور مهم فى العملية التربوية التعليمية. وله أيضا المكانة الرئيسية فى علم النفس العام، فإن كثيرا من العادات وأنماط السلوك والقيم والإتجاهات يمارسها الإنسان بعد تعلمها من خلال احتكاكه بظروف الحياة العامة. كما أنه من خلال دراسة التعلم تتمكن المؤسسات التربوية من وضع خطط التوجيه السليم لأفرادها لتصل بهم إلى الأهداف الموضوعة لهم. ومن هنا تأتى أهمية كتاب الزرنوجى عن (طريق التعلم) الذى يعطينا فهمه وتصور عصره للملامح العملية لكيفية تطبيق أسس النظرية الإسلامية التربوية. وهو فى عرضه لتلك الملامح يتبنى بعض ما كان معروفا قبله من الكتب والأبواب ـ والفصول المتخصصة فى العلم والتربية، كما يصف الملاحظات المبنية على التجارب الشخصية وخبرة معلميه. لذلك فإن عملية التعرف على (طريق التعلم) الذى وضعه الزرنوجى يجب أن تنتهج السلوك المعتدل فى الحكم عليه، فلا يبالغ المرء بالإعجاب به ويقول بسبق الزرنوجى لعلماء التربية الحديثة فى بعض الأسس التعليمية، ولا يبالغ أيضا بالرفض ويصف الكتاب بعدم الأهمية بسبب بعض الآراء الواردة فيه التى لا تتجاوز مفاهيم عصره. فى ثلاثة عشرة فصلا يعرض الزرنوجى تصوره لطريق التعلم، ويرى أن هذا الطريق هو الأسلوب الأمثال لعملية التعلم، وأن ما يعرضه هو نصيحة للمتعلمين يجب الأخذ بها وإلا فلن يتمكنوا مما يرغبون به. اهـ