وقال قطب الارشاد وغوث العباد والبلاد الحبيب عبد الله بن السيد علوي الحداد في رسالة المريد : من سره ان يذوق شيئا من اسرار الطريقة ويكاشف بانوار الحقيقة فليعكف علي الذكر لله بقلب حاضر وأدب وافر وإقبال صادق وتوجه خارق ، فما اجتمعت هذه المعاني في شخص الا كوشف بالملكوت الاعلي وطالعت روحه حقائق العلم الاصفي وشاهدت سره الجمال الأقدس الاسمي . وقال ايضا في رسالة المعاونة : وينبغي أن يكون لك ورد من ذكر الله تعالى تحده بوقت أو تحصره بعدد وحينئذ فلا بأس بالسبحة لضبط العدد . واعلم ، أن الذكر ركن الطريق ، ومفتاح التحقيق ، وسلاح المريدين ، ومنشور الولاية ، كما قال بعض العارفين . وقد قال الله تعالى : ﴿فاذكروني أذكركم﴾ ، وقال تعالى : ﴿فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم﴾ ، وقال تعالى : ﴿يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً﴾ ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه حين يذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه . وقال عليه السلام : يقول الله تعالى : ﴿أنا جليس من ذكرني﴾ ، وقال عليه السلام : ﴿ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى قال ذكر الله﴾ . وللذكر ثمرات ونتائج يجدها من واظب عليه بوصف الأدب والحضور ، أقلها أن يجد فيه من الحلاوة واللذة ما يستحقر في جنبه كل ما يعرفه من اللذات الدنيوية والملاهي ، وأعلاها أن يفنى بالمذكور عن الذاكر وعما سواه . ومن قعد وهو على طهارة في خلوة مستقبل القبلة ساكن الأطراف مطرق الرأس ثم ذكر الله بقلب حاضر وأدب وافر ، رأى للذكر في قلبه أثراً ظاهراً . فإن دام على ذلك أشرقت عليه أنوار القرب وانكشفت له أسرار الغيب . وأفضل الذكر ما كان بالقلب واللسان ، وذكر القلب أن يكون حاضراً فيه معنى الذكر الذي يجري على اللسان كالتقديس والتوحيد عند التسبيح والتهليل . والأفضل للذاكر من الإسرار والجهر بالذكر والقراءة الأصلح منهما لقلبه ، والذكر هو الورد الدائم المستمر ، فاجتهد أن لا يزال لسانك رطباً منه في كل حال إلا في وقت ورد لا يمكن الجمع بينه وبين الذكر كالقراءة والتفكر ، ويكون في هذه العبادات وغيرها من القربات ذاكراً لله تعالى بالمعنى الأعم ، ولا تقتصر على معنى واحد من الذكر بل ينبغي أن يكون لك من كل نوع ورد . اهـ قلت : ﴿اللهم صل علي سَيِّدنَا مُحَمَّد وآله علي قدر حبك له صلاة تعينني علي ذكرك بقلب حاضر وأدب وافر وإقبال صادق وتوجه خارق وتجعل بحقه هذه المعاني فِيَّ وفي ذرياتِي مع السلامة والعافية بِرَحْمَتِكَ يَا اَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ﴾ . ولذلك وصَّى سَيِّدنَا المصطفى ﷺ حبيبه معاذاً أن لا يدع الدعاء الجليل بعد كل صلاة اي هذا الدعاء : ﴿اللَّهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك﴾ ، وكذلك حثّه ﷺ بأسلوب التشويق والترغيب : ﴿أتحبون أن تجتهدوا﴾ للأمة كلها قوله : ﴿اللَّهم أعني على ذكرك﴾ : فيه الطلب من اللَّه ، والعون على القيام بذكره ؛ لأنه أفضل الأعمال . قال النبي ﷺ : ﴿أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إنْفاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ﴾ ؟ قَالُوا : ﴿بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ﴾ ، قَالَ : ﴿ذِكْرُ اللَّهِ تعالى﴾ . أخرجه الامام أحمد ، ٣٦/ ٣٣ ، برقم ٢١٧٠٢ . والذكر يشمل القرآن وهو أفضل الذكر ، ويشمل كل أنواع الذكر من التهليل والتسبيح والاستغفار والصلاة على النبي ﷺ والدعاء . وقوله : ﴿وشكرك﴾ أي شكر نعمتك الظاهرة والباطنة التي لا يمكن إحصاءها : ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ ، والقيام بالشكر يكون بالعمل ، كما قال اللَّه تعالى : ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ ، ويكون باللسان بالحمد ، والثناء ، والتحدث بها . قال اللَّه تعالى : ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ﴾ . وأعظم الشكر تقوى اللَّه تعالى كما في القرآن : ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ ، ولا شكّ أن التوفيق إلى الشكر يحتاج إلى شكر آخر إلى ما لا نهاية ، قال ابن رجب رحمه اللَّه في لطائف المعارف ص ٣٠١ : ﴿كل نعمة على العبد من اللَّه تعالى في دين أو دنيا ، تحتاج إلى شكر عليها ، ثم التوفيق للشكر عليها نعمة أخرى ، تحتاج إلى شكر ثانٍ ، ثم التوفيق للشكر الثاني نعمة أخرى يحتاج إلى شكر آخر ، وهكذا أبداً ، فلا يقدر العبد على القيام بشكر النعم ، وحقيقة الشكر : الاعتراف بالعجز في الشكر﴾ . وقوله : ﴿وحسن عبادتك﴾ اي على القيام بها على الوجه الأكمل والأتمّ ، ويكون ذلك من صدق الإخلاص للَّه فيها ، واتّباع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعدم الابتداع فيها . اهـ وقال الحبيب عبد الله الحداد في رسالة المعاونة : ومن آكد ما ورد في ادبار الصلوات وأفضله أن تقول بعد كل مكتوبة : ﴿اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك﴾ ، الي آخر كلامه الكريم . وقال ايضا : واجعل لك ورداً من الصلاة على رسول الله ﷺ فإنها وصلة بينك وبين نبي الله ﷺ وباب يفيض عليك منه المدد بواسطته من حضرته عليه الصلاة والسلام ، وقد قال صلوات الله وسلامه عليه : ﴿من صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشراً﴾ . اهـ وفي افضل الصلوات في شرح الصلاة السادسة والخمسين ما نصه : وكان شيخنا العارف بالله تعالى سيدي الشيخ عثمان الدمياطي أفاض الله عليه سحائب الرحمة والرضوان يقول : ﴿العلي القدر﴾ ، ويذكر أنه تلقاها كذلك . وكان يذكر لها فضائل كثيرة ويواظب على قراءتها خلف كل صلاة مرة أو ثلاث مرات ويزيد على ذلك زيادة في وسطها تلقاها عن بعض أشياخه ويذكر أن فيها فضائل وتصير بها الصلاة جامعة للدعاء والاستغفار والصلاة على النبي المختار ﷺ وهذه الكيفية التي كان يأتي بها : ﴿اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي الحبيب العليّ القدر العظيم الجاه ، وأغنني بفضلك عمن سواك وعلى آله وصحبه وسلم ، اللهم أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، والطف بي فيما جرت به المقادير ، واغفر لي ولجميع المسلمين ، وارحمني وإياهم برحمتك الواسعة في الدين والدنيا والآخرة ، يا كريم يا رحيم﴾ ، ما كان يترك هذه الصلاة بهذه الصيغة خلف كل صلاة بعد قراءته آية الكرسي سواء كانت الصلاة فرض لازمة نقلاً في حضر أو سفر ، ويذكر أنه يرى لها من العجائب ما لا يعلم قدره إلا الله تعالى ، وذكر بعضهم في الصيغة المذكورة زيادة بقدر عظمة ذاتك ، ولفظها : ﴿اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي الحبيب العالي القدر العظيم الجاه بقدر عظمة ذاتك﴾ ، وذكر أن النبي ﷺ كان يصلي على نفسه بتلك الصيغة ، فينبغي أن يزاد ذلك في الصيغة التي كان يأتي بها الشيخ رحمه الله خلف الصلوات ليزيد الأجر إن شاء الله تعالى . اهـ