ومن أراد الفتوح والعلم من حيث هو علم ، فلا يمل من كتب السلف ، ولا يعدل بها غيرها ، ولا يضره قول القائلين ذا أصح ، وذا صحيح ، وذا ظاهر ؛ وذا مشهور ، فإن الأقوال كلها من كلام الشافعي رضي الله عنه ، وليس هو القائل هذا أظهر ، وهذا ظاهر ، ولم يقل هو هذا مشهور وهذا غير مشهور ، بل نقلوها عنه كما سمعوها منه ، أو وجدوها في كتبه ، وكذلك الأوجه من كلام الأصحاب ، ومن بعدهم من العلماء الراسخين ، لا فيها أصح ولا صحيح ؟ بل قال ذلك غيرهم ، وما ضعفه هذا قواه الآخر ، وما قواه هذا ضعفه الآخر ، وصار من بعدهم ، ما عندهم إلا وصف العلم وحكايته ، كما لا يخنى (ص ٢٢) . اهـ
و قال رضي الله عنه لبعض مريديه عند ابتدائه في القراءة عليه في كتاب التنبيه ، إذا أردت أن تعود عليك بركة هذا الكتاب ويظهر فيك نوره ، وينفعك الله به ، فاعتقد أن جميع ما فيه من المسائل والأقوال والأوجه حق ، فإن طلبة العلم الآن ينوون أن يأخذوا ما شاءوا ويتركوا ما شاءوا ، فلهذا حرموا بركة العلم ، وأما العمل فله حال ، والعامل المخاص ينظر بنور الله تعالى (ص ٣٤) . اهـ
قال تعالى ( إن تنقوا الله يجعل لكم فرقانا) وإذا مررت على شيء في القراءة ولم تفهمه ، أو لم يحضر فيه بالك ، فرده مرة أخرى في وقت آخر ، لأن الأوقات تختلف ، وإذا صفا باطن الإنسان ، وقابل الأشياء بالقبول ولم يرجح شيئاً من الأقوال بهواه ، أطلعه الله على حقائق الأشياء (ص ٣٤) . اهـ
أتى الشيخ على باراس ، إلى الحبيب عمر بن عبدالرحمن العطاس ، فقال له فيم تقرىء أصحابك ، فقال في الإرشاد لابن المقرىء فقال له الحبيب عمر أقرئهم في منهاج النووي فإن مؤلفه قطب ، وهو جدير بالفتوح وكان الشيخ أبو بكر بن سالم يدرس في المنهاج ولا يقرىء إلا فيه ، وأنا حفظت منه إلى باب صلاة النفل ، وكنت أيام الطلب في مكة أنحفظ في البهجة ، وأنا أحس في قلبي نورا ، وإذا هو يتلاشى ، إلى أن صرت لا أرى شيئا ، فلما ابتدأت في حفظ المنهاج ، تراجع إلى شيء ما أعرفه ، فعرفت الفرق بعد . (ص ٣٦) . اهـ
ولما طلبت العلم عند السيد أحمد دحلان ، قال لي : أعطيك فائدة إن الشيخ ابن حجر حفظ المنهاج والشيخ الرملى حفظ البهجة ، فبارك الله في كتب ابن حجر ونفع بها أكثر من كتب الرولى وثانيا جميع مافي للمنهاج من الأقوال والأوجه ومقابلها صحيح انتهى . (ص ٣٦) . اهـ
قال أهل العلم : وفى المهذب أربعون ألف مسألة بدليلها وتعليلها ، وفى التنبيه أثنا عشر ألف مسألة ، وبلغنا أن الشيخ أبا إسحق اختصر التنبيه من تعليقة شيخه أبي حامد ، وهي ثمانية عشر مجلداً ، وكان يصلى عند كتابة كل فصل ركعتين ويدعو الله أن ينفع به قارئه ، وكان الشيخ أبو إسحاق مستجاب الدعوة ، وبقراءتهما يطلع الطالب على آية قرآنية ، وحديث نبوي ، ومسائل مستنبطة منهما ومن كلام الشيخ عبد الرحمن السقاف : ﴿من لا قرأ المهذب ، ما عرف قواعد المذهب ، ومن لا قرأ التنبيه ، فليس بنبيه ، ومن لا طالع الإحياء ، فما فيه حياء ، ومن لا له ورد فهو قرد﴾ ، قال الشيخ اسماعيل الحضرمي ، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت له من أولياء الله ؟ فقال درسة التنبيه والمهذب ، وسألته ثانيا فقال : درسة التنبيه والمهذب ، فقلت يا رسول الله ودرسة القرآن ؟ فقال أولئك أهل الله (ص ٣٨) . اهـ
قال سيدى : ولما وصل إلى كتاب المهذب وقرأنا فيه ، رقدت ، فرأيت الشيخ أبا إسحاق مؤلفه داخلا على . فقلت له شكر الله سعيكم على جمعكم كتاب للهذب ، وما أودعتموه فيه من الدليل والتعليل ، إلا أنكم قد تحكون القولين أو الوجهين ولا تبينون الراجح من المرجوح ، وإن طلبه العلم الآن ما تطمئن بواطنهم إلا بحكاية ذلك ، فقال أبو إسحق : هذه صفة لأهل التحكم في الدين ، ونحن نقلنا لكم كما نقلنا ، والله إن هذه الكلمة من لسانه ، ونود من طلبة العلم أن يوزعوا قراءة كتاب المهذب في المساجد وغيرها ، ويقرأوه مدارسة بينهم ، يقرأون كل يوم جزءاً منه ، ويكملونه في أربعين ، يوما هــذه عادة السلف والنسخ القدية التي بأيدينا مجزأة أربعين جزءاً ونرجو لمن اشتغل بذلك الحصول على العلم والعمل في أقرب زمن وأقل مدة ، مع انشراح الصدر ، وتيسير الأمر طالبون منكم لله ورسوله إذا جاء المهذب تتركونه على ما هو عليه ولا ترجحون ، ولا تصححون ، اقرأوه من غير تقرير ، ولا تكرير ، كقراءة السلف ، خذوا الأشياء بقوة ، ليفيض الله عليكم أسرارها وأنوارها ، وأنا أضمن لكم على الله ، أن تكونوا علماء في سنة واحدة ، إذا سمعتم كلامي ، واعتنيتم بالمهذب والتنبيه ، فطلب من حضر منه الإجازة فيهما ، فقال أجز تـكم فيهما ، من الشيخ أبي إسحاق بلا واسطة وعن غيره ممن اتصلنا بهم واتصلوا بالشيخ (ص ٣٩) . اهـ
وحضر سیدی رضی الله عنه ختم المهذب في بعض مجالسه بتريم فطلب منه الحبيب محمد بن سالم السرى الإجازة للحاضرين وأهل العصر في قراءة كتاب المهذب فقال رضي الله عنه : أجزتكم في قراءة كتاب المهذب عن الشيخ أبي إسحاق لكم ولأولادكم وأهل عصركم ، ومن سلفنا من طريق الاتصالات والفقهيات أجزتكم ثم قال نفع الله به الفوائد والشوارد هدايا العلماء بعضهم لبعض وقرىء على سيدي في تاريخ ابن حسان الحضرمي فائدة مناسبة ، فأمر سيدي باثباتها ، وهذا نصها ( نكتة) أخبرنا العالم العامل أحمد ابن أبي بكر الزنبول قال : أخبرنا الفقيه أحمد بن عمران قال : كنت لا أرى تحصيل المهذب لأن فقهه ظاهر ، فرأيت في منامي رجلا بيده كتاب وهو يقول انظر فيه ، فنظرت ، فإذا فيه ، روى الخليل بن أحمد بن عبد الأعلى أسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من صلى على سبعين مرة وسأل الله بالمهذب ومؤلفه حاجة قضى الله له اثنتين وسبعين حاجة أدناها المغفرة فسئل سيدى كيف يقول من أراد ذلك ؟ قال يقول : سبعين مرة : اللهم صلى على سيدنا محمد وآله ، ثم يقول اللهم إنى أسألك بالشيخ أبي إسحاق الشيرازي وكتابه المهذب أن تفعل لي كذا (ص ٤١) . اهـ
قال سيدي : وينبغي للإنسان أن يعرض نفسه على بيت الخلاء في وقتين ، وقت إرادة النوم ، ووقت الخروج من البيت . ولما طلب سيدي أحمد سیدی شیخ بن عيدروس العيدروسي الاجازة في قوله تعالى ( ما شاء الله لا قوة إلا بالله ) قال له سيدى شيخ ينبغي أن لا يتركها الإنسان ، ويجعلها ورداً له حتى إذا دخل الخلاء ، وخرج الخارج بسهولة يقولها بقلبه ؛ فقال له سيدي أحمد : وردي منها كل يوم مائة مرة (ص ٤٧) . اهـ
وحصلت للشيخ سعيد بن سالم الشواف دعوة من شريفة كشف عليها وهو في بيت الخلاء من غير تعمد ، فقالت من هذا الذي كشفني كشف الله حاله فقالها قولى على أحوال الأولياء فقالت على أحوال الأولياء ، فنظم كتابه المسمى قصعة العسل ، وشرح فيها أحوال الأولياء شرقا وغربا ومن تأملها تعجب من كشفه ، واطلاعه الواسع ، و هو مقبور بالمشقاص من سئون ولما بني الحبيب عبد الله بن عمر بن يحي داره بالمسيلة وسعها ، وجعل فيها من بيوت الأخلية ، ثمانية عشر فلما رأى الشيخ عبد الله بن سعد بن سعيد ذلك أنكر عليه في نفسه لكثرتها وندور الحاجة إليها فقدر الله أنه جاء يوما مع الحبيب حسن بن صالح البحر أو مع غيره ، والدار ملآن من الواردين فتحركت عليه بطنه فقام يريد الخلاء فوجده مشغولا وجاء إلى الثاني فوجده كذلك حتي دار على البيوت كلها فلم يجد شيئا منها فارغا فرآه الحبيب عبد الله متحير فأخذ بيده وصعد به إلى طبقة أخرى فأدخله الخلاء فلما خرج اعتذر إلى الحبيب عبد الله ، وطلب العفو منه، وقال لا شك أن ماوقع هو تأديب لي بسبب إنكاری (ص ٤٨) . اهـ
قال سيدى : وكان الحبيب أبو بكر بن عبد الله العطاس يتمرغ في الأرض التي يصب عليها الميزاب المخصوص بوضوء الحبيب حسين بن عمر العطاس بنفحون وذكر سيدى عن شيخه الحبيب أبي بكر بن عبد الله العطاس أن الشيخ علي بن عمر الشاذلي صاحب المخاتولى القطابة وكثرت في وقته أذية الجن للإنس ، فشكا ذلك إلى الخضر وقال له لم لم تحصل هذه الأذية - إلا في نوبى ، فقال له الخضر نأتيك بمودين من شجر البن من أرض الحبش تغرسهما تحت الميزاب الذي تتوضأ فيه فأتي بهما الخضر وغرسهما الشيخ فلما أثمرا أخذوا ثمرهما ، وطبخوه في القدير ، وشربوه ، فرفع الله عنهم أذية الجن ، وبعد ذلك أخذوا عودى الشجرة المذكورة ، وغرسوهما الجبل المشهور بالعدين ونسبوا إليه البن ، وحذفت العامة الواو ، وأصل المدين العودين (ص ٥١) . اهـ
قال رضي الله عنه في قوله تعالى : ( إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون ) لا يمس القرآن إلا المطهرون ولا يطلع على أسراره إلا المطورون ولا يقف على عجائبه إلا المطهرون وهكذا في جميع الاشياء ، فمن ابتغى العلم فقل له لا يمسه إلا المطورون ومن ابتغى الولاية فقل له لا يمسه إلا المطهرون والأشياء كلها تحت ظل هذه الآية لا يمسه إلا المطورون من النيات الفاسدة ، والأدناس ، والغفلة ، وكل وصف مذموم (ص ٥٣) . اهـ
قال رضي الله عنه : إذا أراد أحد أن يتعرى أو احتاج للتعرى في خلوته فليقل بسم الله الذي لا إله إلا هو ، فإنه حفظ وستر عن أعين الجن فلا يقدرون على النظر ولا على الإيذاء فعلموا النساء إذا أرادت إحداهن أن تضع ثوبها أو نقابها فلتقل ذلك (ص ٥٤) . اهـ